الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ }

{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ } في موضع المفعول له بتقدير مضاف، وقدره الزمخشري كراهة وهو منصوب بفعل محذوف يدل عليه ما قبل أي أنذركم وأمركم بأحسن ما أنزل إليكم كراهة أن تقول، ومن لا يشترط للنصب اتحاد الفاعل يجوز كون الناصبأَنِـيبُوۤاْ } [الزمر: 54] أوٱتَّبَعُواْ } [الزمر: 55] وأياً ما كان فهذه الكراهة مقابل الرضا دون الإرادة فلا اعتزال في تقديرها، وهو أولى من تقدير مخافة كما فعل الحوفي حيث قال: أي أنذرناكم مخافة أن تقول، وابن عطية جعل العامل { أَنِـيبُوۤاْ } ولم يقدر شيئاً من الكراهة والمخافة حيث قال: أي أنيبوا من أجل أن تقول، وذهب بعض النحاة إلى أن التقدير لئلا تقول. وتنكير { نَفْسٌ } للتكثير بقرينة المقام كما في قول الأعشى:
وربَّ بقيعٍ لو هتفتُ بحوِّه   أتاني كريمٌ ينفض الرأسَ مغضَبَاً
فأنه أراد أفواجاً من الكرام ينصرونه لا كريماً واحداً، وجوز أن يكون للتبعيض لأن القائل بعض الأنفس واستظهره أبو حيان، قيل: ويكفي ذلك في الوعيد لأن كل نفس يحتمل أن تكون ذلك، وجوز أيضاً أن / يكون للتعظيم أي نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم، وليس بذاك.

{ يَا حَسْرَتى } بالألف بدل ياء الإضافة، والمعنى كما قال سيبويه يا حسرتي احضري فهذا وقتك. وقرأ ابن كثير في الوقف { يا حسرتاه } بهاء السكت. وقرأ أبو جعفر { يا حسرتي } بياء الإضافة، وعنه { يا حسرتاي } بالألف والياء التحتية مفتوحة أو ساكنة جمعاً بين العوض والمعوض كذا قيل، ولا يخفى أن مثل هذا غير جائز اللهم إلا شاذاً استعمالاً وقياساً، فالأوجه أن يكون ثنى الحسرة مبالغة على نحو «لبيك وسعديك» وأقام بين ظهريهم وظهرانيهم على لغة بلحرث بن كعب من إبقاء المثنى على الألف في الأحوال كلها، واختار ذلك صاحب «الكشف»، وجوز أبو الفضل الرازي أيضاً في كتابه «اللوامح» أن تكون التثنية على ظاهرها على تلك اللغة، والمراد حسرة فوت الجنة وحسرة دخول النار، واعتبار التكثير أولى لكثرة حسراتهم يوم القيامة.

{ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } أي بسبب تفريطي ـ فعلى ـ تعليلية و (ما) مصدرية كما في قوله تعالى:وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [البقرة: 185] والتفريط التقصير { فِى جَنْبِ ٱللَّهِ } أي جانبه، قال الراغب: ((أصل الجنب الجارحة ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال))، والمراد هنا الجهة مجازاً، والكلام على حذف مضاف أي في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى أي ما يحق له سبحانه ويلزم وهو طاعته عز وجل؛ وعلى ذلك قول سابق البربري من شعراء «الحماسة»:
أما تتقين الله في جنب عاشق   له كبد حرى عليك تقطع

السابقالتالي
2