الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }

فإنه عطف علىلاَ تَقْنَطُواْ } [الزمر: 53] والتعليل معترض، وبعد تسليم حديث حمل الإطلاق على التقييد يكون عطفاً لتتميم الإيضاح كأنه قيل: لا تقنطوا من رحمة الله تعالى فتظنوا أنه لا يقبل توبتكم وأنيبوا إليه تعالى وأخلصوا له عز وجل. وأجاب بعض الجماعة بمنع وجوب حمل الإطلاق على التقييد في كلام واحد نحو أكرم الفضلاء أكرم الكاملين فضلاً عن كلام لا يسلم كونه في حكم كلام واحد وحينئذٍ لا يكون المعطوف شرطاً للمعطوف عليه إذ ليس من تتمته. وقيل إن الأمر بالتوبة والإخلاص لا يخل بالإطلاق إذ ليس المدعى أن الآية تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن الأمر بهما وتنافي الوعيد بالعذاب.

وقال بعض أجلة المدققين: إن قوله تعالى:يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ } [الزمر: 53] خطاب للكافرين والعاصين وإن كان المقصود الأولي الكفار لمكان القرب وسبب النزول، فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: إن أهل مكة قالوا: يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنه من عبد الأوثان ودعا مع الله تعالى إلهاً آخر وقتل / النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس ونحن أهل شرك؟ فأنزل الله تعالى:قُلْ يٰعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الزمر: 53] الخ.

وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: نزلت هذه الآيات في عياش بن أبـي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول: لا يقبل الله تعالى من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً أقوام أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوه فنزلت هؤلاء الآيات وكان عمر رضي الله تعالى عنه كاتباً فكتبها بيده ثم كتب بها إلى عياش وإلى الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا.

وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت هذه الآيات الثلاثقُلْ يٰعِبَادِى } [الزمر: 53] إلىوَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الزمر: 55] بالمدينة في وحشي وأصحابه وتخلل قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر: 53] بين المعطوفين تعليلاً للجزء الأول قبل الوصول إلى الثاني للدلالة على سعة رحمته تعالى وأن مثله حقيق بأن يرجى وإن عظم الذنب لا سيما وقد عقب بقوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ } الآية الدال على انحصار الغفران والرحمة على الوجه الأبلغ فالوجه أن يجري على عمومه ليناسب عموم الصدر ولا يقيد بالتوبة لئلا ينافي غرض التخلل مع أنه جمع محلى باللام، وقد أكد بما صار نصاً في الاستغراق، ولا يغني المعتزلي أن القرآن العظيم كالكلام الواحد وأنه سليم من التناقض بل يضره، وكذلك ما ذكر من أسباب النزول انتهى.

السابقالتالي
2 3