الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا } إخبار عن الجنس بما يغلب فيه، وقيل: المراد بالإنسان حذيفة بن المغيرة، وقيل: الكفرة { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مّنَّا } أي أعطيناه إياها تفضلاً فإن التخويل على ما قيل مختص به لا يطلق على ما أعطى جزاء { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } أي على علم مني بوجوه كسبه أو بأني سأعطاه لما لي من الاستحقاق أو على علم من الله تعالى بـي وباستيجابـي. و(إنما) للحصر أي ما أوتيته لشيء من الأشياء إلا لأجل علم، والهاء للنعمة، والتذكير لتأويلها بشيء من النعم، والقرينة على ذلك التنكير، وقيل: لأنها بمعنى الإنعام، وقيل: لأن المراد بها المال، وقيل: لأنها تشتمل على مذكر ومؤنث فغلب المذكر، وجوز أن يكون لما في { إِنَّمَا } على أنها موصولة أي إن الذي أوتيته كائن على علم ويبعد موصوليتها كتابتها متصلة في المصاحف.

{ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ } رد لقوله ذلك، والضمير للنعمة باعتبار لفظها كما أن الأول لها باعتبار معناها، واعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى جائز وإن كان الأكثر العكس، وجوز أن يكون التأنيث باعتبار الخبر، وقيل: هو ضمير الإتيانة وقرىء بالتذكير فهو للنعمة أيضاً كالذي مر أو للإتيان أي ليس الأمر كما يقول بل ما أوتيه امتحان له أيشكر أم يكفر؟ وأخبر عنه بالفتنة مع أنه آلة لها لقصد المبالغة، ونحو هذا يقال على تقدير عود الضمير للإتيانة أو الإتيان.

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن الأمر كذلك وهذا ظاهر في أن المراد بالإنسان الجنس إذ لو أريد العهد لقيل لكنه لا يعلم أو لكنهم لا يعلمون وإرادة العهد هناك وإرجاع الضمير للمطلق هنا على أنه استخدام نظير عندي درهم ونصفه تكلف.

والفاء للعطف وما بعدها عطف على قوله تعالى:وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ } [الزمر: 45] الخ وهي لترتيبه عليه والغرض منه التهكم والتحميق، وفيه ذمهم بالمناقضة والتعكيس حيث إنهم يشمئزون عن ذكر الله تعالى وحده ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره، وهذا كما تقول: فلان يسىء إلى فلان فإذا احتاج سأله فأحسن إليه، ففي الفاء استعارة تبعية تهكمية، وقيل: يجوز أن تكون للسببية داخلة على السبب لأن ذكر المسبب يقتضي ذكر سببه لأن ظهورمَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } [الزمر: 47] الخ مسبب عما بعد الفاء إلا أنه يتكرر مع قوله تعالى الآتي:وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هؤلاء } [الزمر: 51] إلى آخره إن لم يتغايرا بكون أحدهما في الدنيا والآخر في الأخرى، وإلى ما قدمنا ذهب الزمخشري، والجمل الواقعة في البين عليه أعني قوله سبحانه:قُلِ ٱللَّهُمَّ } [الزمر: 46] إلىيَسْتَهْزِئُونَ } [الزمر: 48] اعتراض مؤكد للإنكار عليهم، وزعم أبو حيان أن في ذلك تكلفاً واعتراضاً بأكثر من جملتين وأبو علي الفارسي لا يجيز الاعتراض بجملتين فكيف يجيزه بالأكثر؟ وأنا أقول: لا بأس بذلك لا سيما وقد تضمن معنى دقيقاً لطيفاً، والفارسي محجوج بما ورد في كلام العرب من ذلك.