الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }

وقوله تعالى: { لِيُكَـفّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } الخ متعلق بمحذوف أي ليكفر الله عنهم ويجزيهم، خصهم سبحانه بما خص أو بما قبله باعتبار فحواه على ما قيل أي وعدهم الله جميع ما يشاؤونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا الخ، وليس ببعيد معنى عن الأول، وجوز أن يكون متعلقاً بقوله سبحانه:وَذٰلِكَ جَزَاء ٱلْمُحْسِنِينَ } [الزمر: 34] أي بما يدل عليه من الثبوت أو بالمحسنين كما قال أبو حيان فكأنه قيل: وذلك جزاء الذين أحسنوا أعمالهم ليكفر الله تعالى عنهم أسوأ الذي عملوه.

{ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ } ويعطيهم ثوابهم { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِى كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } وتقديم التكفير على إعطاء الثواب لأن درء المضار أهم من جلب المسار.

وأقيم الاسم الجليل مقام الضمير الراجع إلىرَّبُّهُمْ } [الزمر: 34] لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام. وإضافة أسوأ وأحسن إلى ما بعدهما من إضافة أفعل التفضيل إلى غير المفضل عليه للبيان والتوضيح كما في الأشج أعدل بني مروان ويوسف أحسن إخوته، والتفضيل على ما قال الزمخشري للدلالة على أن الزلة المكفرة عندهم هي الأسوأ لاستعظامهم المعصية مطلقاً لشدة خوفهم، والحسن الذي يعملونه عند الله تعالى هو الأحسن لحسن إخلاصهم فيه. وذلك على ما قرر في «الكشف» لأن التفضيل هنا من باب الزيادة المطلقة من غير نظر إلى مفضل عليه نظراً إلى وصوله إلى أقصى الغاية الكمالية، ثم لما كانوا متقين كاملي التقى لم يكن في عملهم أسوأ إلا فرضاً وتقديراً.

وقوله سبحانه: { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِى كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } دون أحسن الذي كانوا يعملون يدل على أن حسنهم عند الله تعالى من الأحسن لدلالته على أن جميع أجرهم يجري على ذلك الوجه فلو لم يعملوا إلا الأحسن كان التفضيل بحسب الأمر نفسه ولو كان في العمل الأحسن والحسن وكان الجزاء بالأحسن بأن ينظر إلى أحسن الأعمال فيجري الباقي في الجزاء على قياسه دل أن الحسن عند المجازي كالأحسن، فصح على التقديرين أن حسنهم عند الله تعالى هو الأحسن، ويعلم من هذا أن لا اعتزال فيما ذكره الزمخشري كما توهمه أبو حيان. وأما قوله في الاعتراض عليه: إنه قد استعمل { أسوأ } في التفضيل على معتقدهم و { أحسن } في التفضيل على ما هو عند الله عز وجل وذلك توزيع في أفعل التفضيل وهو خلاف الظاهر، فقد يسلم إذا لم يكن في الكلام ما يؤذن بالمغايرة فحيث كان فيه هٰهنا ذلك على ما قرر لا يسلم أن التوزيع خلاف الظاهر.

وقيل: إن { أَسْوَأَ } على ما هو الشائع في أفعل التفضيل، وليس المراد أن لهم عملاً سيئاً وعملاً أسوأ والمكفر هو الأسوأ فإنهم المتقون الذين وإن كانت لهم سيئات لا تكون سيئاتهم من الكبائر العظيمة، ولا يناسب التعرض لها في مقام مدحهم بل الكلام كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني، فإن الأسوأ إذا كفر كان غيره أولى بالتكفير لا أن ذلك صدر منهم، ولا نسلم / وجوب تحقق المعنى الحقيقي في الكناية وهو كما ترى.

السابقالتالي
2