الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

{ وَٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس، وفسر الصدق بلا إله إلا الله، والؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية دخول الجند في قولك: نزل الأمير موضع كذا، وليس هذا من الجمع بين الحقيقة والمجاز في شيء لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، ولا يضر في ذلك أن المجيء بالصدق ليس وصفاً للمؤمنين الأتباع كما لا يخفى، والموصول على هذا مفرد لفظاً ومعنى، والجمع في قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } باعتبار دخول الأتباع تبعاً، ومراتب التقوى متفاوتة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلاها.

وجوز أن يكون الموصول صفة لمحذوف أي الفوج الذي أو الفريق الذي الخ فيكون مفرد اللفظ مجموع المعنى فقيل: الكلام حينئذ على التوزيع لأن / المجيء بالصدق على الحقيقة له عليه الصلاة والسلام والتصديق بما جاء به وإن عمه وأتباعه صلى الله عليه وسلم لكنه فيهم أظهر فليحمل عليه للتقابل. وفي «الكشف» الأوجه أن لا يحمل على التوزيع غاية ما في الباب أن أحد الوصفين في أحد الموصوفين أظهر، وعليه يحمل كلام الزمخشري الموهم للتوزيع.

وحمل بعضهم الموصول على الجنس فإن تعريفه كتعريف ذي اللام يكون للجنس والعهد، والمراد حينئذ به الرسل والمؤمنون. وأيد إرادة ما ذكر بقراءة ابن مسعود { والذي جاؤوا بالصدق وصدقوا به } وزعم بعضهم أنه أريد والذين فحذفت النون كما في قوله:
إن الذي حَانَتْ بفَلْجٍ دِمَاؤُهم   هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أم مالكِ
وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بصحيح لوجوب جمع الضمير في الصلة حينئذ كما في البيت، ألا ترى أنه إذا حذفت النون من اللذان كان الضمير مثنى كقوله:
أبني كليب إن عمي اللذا   قتلا الملوك وفككا الأغلالا
وقال علي وأبو العالية والكلبـي وجماعة { ٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ } هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه. وأخرج ذلك ابن جرير والباوردي في «معرفة الصحابة» وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان وله صحبة عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقال أبو الأسود ومجاهد في رواية وجماعة من أهل البيت وغيرهم: الذي صدق به هو علي كرم الله تعالى وجهه. وأخرجه ابن مردويه عن أبـي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن السدى أنه قال: { ٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ } جبريل عليه السلام { وَصَدَّقَ بِهِ } هو النبـي صلى الله عليه وسلم، قيل: وعلى الأقوال الثلاثة يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته مطلقاً، أي سواء عطف على موصول آخر أم لا.

السابقالتالي
2