الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ } إيراد لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان أن الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى، والمراد بضرب المثل هٰهنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها. و { مَثَلاً } مفعول ثان لضرب و { رَجُلاً } مفعوله الأول أخر عن الثاني للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل أو { مَثَلاً } مفعول ضرب و { رَجُلاً } الخ بدل منه بدل منه بدل كل من كل. وقال الكسائي: انتصب { رَجُلاً } على إسقاط الخافض أي مثلاً في رجل وقيل غير ذلك وقد تقدم الكلام في نظيره.

و { فِيهِ } خبر مقدم و { شُرَكَاء } مبتدأ و { مُتَشَـٰكِسُونَ } صفته والنكرة وإن وصفت يحسن تقديم خبرها. والجملة صفة { رَجُلاً } والرابط الهاء أو الجار والمجرور في موضع الصفة له و { شُرَكَاء } مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف، وقيل { فِيهِ } صلة شركاء وهو مبتدأ خبره متشاكسون، وفيه أنه ليس لتقديمه نكتة ظاهرة. والمعنى ضرب الله تعالى مثلاً للمشرك حسبما يقول إليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبداً يتشارك فيه جماعة متشاجرون لشكاسة أخلاقهم وسوء طبائعهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره وتوزع قلبه. { وَرَجُلاً } أي وضرب للموحد مثلاً رجلاً { سَلَماً } أي خالصاً { لِرَجُلٍ } فرد ليس لغيره سبيل إليه أصلاً فهو في راحة عن التحير وتوزع القلب وضرب الرجل مثلاً لأنه أفطن لما شقي به أو سعد فإن الصبـي والمرأة قد يغفلان عن ذلك.

وقرأ عبد الله وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة الزهري والحسن بخلاف عنه والجحدري وابن كثير وأبو عمرو { سالماً } اسم فاعل من سلم أي خالصاً له من الشركة. وقرأ ابن جبير { سلماً } بكسر السين وسكون اللام، وقرىء { سلماً } بفتح فسكون وهما مصدران وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة. وقرىء { ورجل سالم } برفعهما أي وهناك رجل سالم، وجوز أن لا يقدر شيء ويكون رجل مبتدأ وسالم خبره لأنه موضع تفصيل إذ قد تقدم ما يدل عليه فيكون كقول امرىء القيس:

إذ ما بكى من خلفها انحرفت له   بشق وشق عندنا لم يحول
وقوله تعالى: { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } إنكار واستبعاد لاستوائهما ونفي له على أبلغ وجه وآكده وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة / أن أحدهما في لوم وعناء والآخر في راحة بال ورضاء، وقيل ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين والآخر في أسفل سافلين، وأياً ما كان فالسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور.

السابقالتالي
2