الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ }

{ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكر المؤمنين ويحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولي الألباب وفيه إيذان بأنهم هم أي قل لهم قولي هذا بعينه وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين أمر الله تعالى أدخل في إيجاب الامتثال به.

وقوله تعالى: { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } إلى آخره تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو خبر مقدم وقوله سبحانه: { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } متعلق بأحسنوا واسم الإشارة للإحضار، وقوله تبارك وتعالى { حَسَنَةٌ } مبتدأ وتنوينه للتفخيم أي للمحسنين في الدنيا حسنة في الآخرة أي حسنة والمراد بها الجنة، وقوله عزو جل: { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } جملة معترضة إزاحة لما عسى أن يتوهم من التعلل في التفريط بعدم التمكن في الوطن من رعاية الأوامر والنواهي على ما هي عليه.

وقوله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } من تتمة الاعتراض فكأنه قيل: اتقوا ربكم فإن للمحسنين في هذه الدنيا الجنة في الأخرى ولا عذر للمفرطين في الإحسان بعدم التمكن في الأوطان فإن أرض الله تعالى واسعة وبلاده كثيرة فليتحولوا إن لم يتمكنوا عنها وليهاجروا إلى ربهم لنيل الرضوان فإن لهم في جنب ذلك ما يتقاصر عنه الجنة ويستلذ له كل محنة وكأنه لما أزاح سبحانه علتهم بأن في أرض الله تعالى سعة وقع في خلدهم هل نكون نحن ومن يتمكن من الإحسان في بلدته فارغ البال رافغ الحال سواء بسواء فأجيبوا إنما يوفى الصابرون الذين صبروا على الهجرة ومفارقة المحاب والاقتداء بالأنبياء والصالحين أجرهم بغير حساب، وأصله إنما توفون أجوركم بغير حساب على الخطاب وعدل عنه إلى المنزل تنبيهاً على أن المقتضي لذلك صبرهم فيفيد أنكم توفون أجوركم بصبركم كما وفى أجر من قبلكم بصبرهم وهو محمول على العموم شامل للصبر على كل بلاء غير مخصوص بالصبر على المهاجرة لكنه إنما جيء به في الآية لذلك وليشمل الصابرين على ألم المهاجرة شمولاً أوليا.

والجار والمجرور في موضع الحال إما من الأجر أي إنما يوفون أجرهم كائناً بغير حساب وذلك بأن يغرف لهم غرفاً ويصب عليهم صباً، واما من الصابرين أي إنما يوفون ذلك كائنين بغير حساب عليه، والمراد على الوجهين المبالغة في الكثرة وهو المراد بقول ابن عباس لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف، وجوز جعل الحال من الصابرين على معنى لا يحاسبون أصلاً، والمتبادر ما يفيد المبالغة في كثرة الأجر، ومعنى القصر ما يوفى الصابرون أجرهم إلا بغير حساب جعل الجار والمجرور حالاً من المنصوب أو المرفوع لأن القصر في الجزء الأخير، وفيه من الاعتناء بأمر الأجر ما فيه، وأما اختصاصه بالصابرين دون غيرهم فمن ترتب الحكم على المشتق.

السابقالتالي
2 3