الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ }

{ قَالَ } عز وجل على سبيل الإنكار والتوبيخ { يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } أي من السجود { لِمَا خَلَقْتُ } أي للذي خلقته على أن ما موصولة والعائد محذوف، واستدل به على جواز إطلاق { مَا } على آحاد من يعقل ومن لم يجز قال: إن { مَا } مصدرية ويراد بالمصدر المفعول أي أن تسجد لمخلوق { بِيَدَىَّ } وهذا عند بعض أهل التأويل من الخلف تمثيل لكونه عليه السلام معتني بخلقه فإن من شأن المعتنى به أن يعمل باليدين، ومن آثار ذلك خلقه من غير توسط أب وأم وكونه جسماً صغيراً انطوى فيه العالم الأكبر وكونه أهلاً لأن يفاض عليه ما لا يفاض على غيره إلى غير ذلك من مزايا الآدمية. وعند بعض آخر منهم اليد بمعنى القدرة والتثنية للتأكيد الدال على مزيد قدرته تعالى لأنها ترد لمجرد التكرير نحوثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ } [الملك: 4] فأريد به لازمه وهو التأكيد وذلك لأن لله تعالى في خلقه أفعالاً مختلفة من جعله طيناً مخمراً ثم جسماً ذا لحم وعظم ثم نفخ الروح فيه وإعطائه قوة العلم والعمل ونحو ذلك مما هو دال على مزيد قدرة خالق القوى والقدر، وجوز أن يكون ذلك لاختلاف فعل آدم فقد يصدر منه أفعال ملكية كأنها من آثار اليمين وقد يصدر منه أفعال حيوانية كأنها من آثار الشمال وكلتا يديه سبحانه يمين. وعند بعض اليد بمعنى النعمة والتثنية إما لنحو ما مر وإما على إرادة نعمة الدنيا ونعمة الآخرة. والسلف يقولون: اليد مفردة وغير مفردة ثابتة لله عز وجل على المعنى اللائق به سبحانه ولا يقولون في مثل هذا الموضع إنها بمعنى القدرة أو النعمة، وظاهر الأخبار أن للمخلوق بها مزية على غيره، فقد ثبت/ في «الصحيح» أنه سبحانه قال في جواب الملائكة: اجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة وعزتي وجلالي لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له كن فكان.

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في " العظمة " والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: خلق الله تعالى أربعاً بيده: العرش وجنات عدن والقلم وآدم ثم قال لكل شيء كن فكان، وجاء في غير ما خبر أنه تعالى كتب التوراة بيده، وفي حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام ما يدل على أن المخلوقية بها وصف تعظيم حيث قال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله تعالى بيده، وكذلك في حديث الشفاعة أن أهل الموقف يأتون آدم ويقولون له: أنت آدم أبو الناس خلقك الله تعالى بيده، ويعلم من ذلك أن ترتيب الإنكار في { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } على خلق الله تعالى إياه بيديه لتأكيد الإنكار وتشديد التوبيخ كأنه قيل: ما منعك أن تعظم بالسجود من هو أهل للتعظيم للعناية الربانية التي حفت إيجاده.

السابقالتالي
2 3