الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

الخ حيث تضمن ذكر نبأ من أنبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به ولا مباشرة سبب من أسبابها المعتادة كالنظر في الكتب الإلهية والسماع من الكتابين وهو حجة بينة دالة على أنه بطريق الوحي من عند الله تعالى وأن سائر أنبائه أيضاً كذلك. وهو على ما قلنا تذكير لإثبات النبوة بذكر مختصر منه تمهيداً لإرشاد الطريق وتذكيراً للباقي وتسلقاً منه إلى استماع ما ذكره لطف للمدعوين وتنويه للداعي، وعدم التعرض لنحو ذلك في أمر التوحيد لظهور أدلته مع كونه ذكر شيء منها غضاً طرياً وهو ما أشارت إليه الصفات المذكورة آنفاً، فلا يقال: إن التعرض لإثبات النبوة دون التوحيد دليل على/ أن المقصود بالإفادة هو النبوة وأن الثاني جيء به تتميماً لذلك. وأنت تعلم أن النبوة وكون القرآن وحياً من عند الله تعالى متلازمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر، لكن يرجح جعل الآية في النبوة وإثباتها القرب وتصدير هذه الآية بنحو من صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى:قُلْ } [ص: 67] فإن سلم لك هذا المرجح فذاك وإلا فلا تعدل عما روي عن ابن عباس ومن معه، وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى:عَمَّ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1ـ2] وقيل: ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهم السلام، وقيل تخاصم أهل النار، وعدي العلم بالباء نظراً إلى معنى الإحاطة، والملأ الجماعة الأشراف لأنهم يملؤن العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد أعني { ٱلاْعْلَىٰ } والمراد به عند ملأ الملائكة وآدم عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة وكانوا في السماء فالعلو حسي وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى.

وإذ متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة والسلام بحالهم لا بذواتهم، والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم، وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور أي ما كان لي علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم لأن علمه صلى الله عليه وسلم غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط بل عام لها وللأفعال أيضاً من سجود الملائكة عليهم السلام وإباء إبليس واستكباره حسبما ينطق به الوحي فالأولى اعتبار العموم في نفيه أيضاً. وقيل: إذ بدل اشتمال من { ٱلْمَلاَ } أو ظرف لعلم وفيه بحث والاختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله عز وجل:إِذْ قَالَ رَبُّكَ } [البقرة: 30] الخ، والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية للحال، وضمير الجمع للملأ. وحكى أبو حيان كونه لقريش وابتعده وكأن في { يَخْتَصِمُونَ } حينئذ التفاتاً من الخطاب فيأَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ص: 68] إلى الغيبة والاختصام في شأن رسالته صلى الله عليه وسلم أو في شأن القرآن أو شأن المعاد وفيه عدول عن المأثور وارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك ومع هذا لا يقبله الذوق السليم، وقوله تعالى: { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ... }.