الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

وقوله تعالى: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } عطف على { ٱرْكُضْ } أو علىوَهَبْنَا } [ص: 43] بتقدير قلنا خذ بيدك الخ. والأول أقرب لفظاً وهذا أنسب معنى فإن الحاجة إلى هذا الأمر لا تمس إلا بعد الصحة واعتدال الوقت فإن امرأته رحمة بنت إفرائيم أو مشيا بن يوسف أوليا بنت يعقوب أو ماخير بنت ميشا بن يوسف على اختلاف الروايات - ولا يخفى لطف { رَحْمَةً مّنَّا } على الرواية الأولى - ذهبت لحاجة فأبطأت أو بلغت أيوب عن الشيطان أن يقول كلمة محذورة فيبرأ وأشارت عليه بذلك فقالت له إلى متى هذا البلاء كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك أو جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز فظن أنها ارتكبت في ذلك محرماً فحلف ليضربنها إن برىء مائة ضربة فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وهو الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان، وقيل: القبضة الكبيرة من القضبان، ومنه ضغث على إبالة والإبالة الحزمة من الحطب والضغث القبضة من الحطب أيضاً عليها، ومنه قول الشاعر:
وأسفل مني نهدة قد ربطتها   وألقيت ضغثاً من خلى متطيب
وقال ابن عباس هنا: الضغث عثكال النخل، وقال مجاهد: الأثل وهو نبت له شوك، وقال الضحاك: حزمة من الحشيش مختلفة، وقال الأخفش: الشجر الرطب، وعن سعيد بن المسيب أنه عليه السلام لما أمر أخذ ضغثاً من ثمام فيه مائة عود، وقال قتادة: هو عود فيه تسعة وتسعون عوداً والأصل تمام المائة فإن كان هذا معتبراً في مفهوم الضغث ولا أظن فذاك وإلا فالكلام على إرادة المائة فكأنه قيل: خذ بيدك ضغثاً فيه مائة عود { فَٱضْرِب بّهِ } أي بذلك الضغث { وَلاَ تَحْنَثْ } بيمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع الله تعالى ذلك رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وهي رخصة باقية في الحدود في شريعتنا وفي غيرها أيضاً لكن غير/ الحدود يعلم منها بالطريق الأولى فقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبـي إمامة بن سهل بن حنيف قال: حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد فسئل المقعد فقال: صدقت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا عثكولاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا، وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان أن رجلاً أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت فأخبر أهله بما صنع فأمر النبـي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة، وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبـي عليه الصلاة والسلام أتي بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، ولا دلالة في هذه الأخبار على عموم الحكم من يطيق الجلد المتعارف لكن القائل ببقاء حكم الآية قائل بالعموم لكن شرطوا في ذلك أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة إما بأطرافها قائمة أو بأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب.

السابقالتالي
2