الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } بإحيائهم بعد هلاكهم على ما روي عن الحسن. وروى الطبرسي عن أبـي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية وأهله الذين ماتوا وهو في البلية، وفي «البحر» الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله وعافى المرضى وجمع عليه من تشتت منهم، وقيل وإليه أميل وهبه من كان حياً منهم وعافاه من الأسقام وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم عدد من مضى { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فكان له ضعف ما كان، والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا، وزعم بعض أن هذا وعد وتكون تلك الهبة في الآخرة { رَحْمَةً مّنَّا } أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا. { وَذِكْرَىٰ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ } وتذكيراً لهم بذلك ليصيروا على الشدائد كما صبر ويلجؤا إلى الله تعالى فيما يصيبهم كما لجأ ليفعل سبحانه بهم ما فعل به من حسن العاقبة.

روي عن قتادة أنه عليه السلام ابتلي سبع سنين وأشهراً وألقي على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده فصبر ففرج الله تعالى عنه وأعظم له الأجر وأحسن، وعن ابن عباس أنه صار ما بين قدميه إلى قرنه قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه فقالت له يوماً: أما ترى يا أيوب قد نزل بـي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله تعالى أن يشفيك ويريحك فقال: ويحك كنا في النعيم سبعين عاماً فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاماً فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام فأخذ بيده ثم قال: قم فقام عن مكانه وقال:ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ص: 42] فاغتسل وشرب فبرأ وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هٰهنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك أنا أيوب قد رد الله تعالى عليَّ جسدي ورد الله تعالى عليه ماله وولده ومثلهم معهم وأمطر عليه جراداً من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ويجعله في ثوبه وينشر كساءه فيجعل فيه فأوحى الله تعالى إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من الذي يشبع من فضلك ورحمتك، وفي «البحر» روى أنس عن النبـي صلى الله عليه وسلم: «أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه حتى/ مله العالم ولم يصبر عليه إلا امرأته».

وعظم بلائه عليه السلام مما شاع وذاع ولم يختلف فيه اثنان لكن في بلوغ أمره إلى أن ألقي على كناسة ونحو ذلك فيه خلاف قال الطبرسي: قال أهل التحقيق إنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيراً فأما الفقر والمرض وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله تعالى بذلك.

السابقالتالي
2