الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ }

{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ } يعود/ إليه عليه السلام قطعاً، و (إذ) منصوب باذكر، والمراد من ذكر الزمان ذكر ما وقع فيه أو ظرف لأواب أو لنعم والظرف قنوع لكن يرد على الوجهين أن التقييد يخل بكمال المدح فالأول أولى وهو كالاستشهاد على أنه أواب أي اذكر ما صدر عنه إذ عرض عليه { بِٱلْعَشِىّ } الخ فإنه يشهد بذلك. والعشي على ما قال الراغب من زوال الشمس إلى الصباح، وقال بعض: منه إلى آخر النهار، والظرفان متعلقان بعرض، وقوله تعالى: { ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ } نائب الفاعل وتأخيره عنهما لما مر غير مرة من التشويق إلى المؤخر، والصافن من الخيل الذي يرفع إحدى يديه أو رجليه ويقف على مقدم حافرها وأنشد الزجاج:
ألف الصفون فما يزال كأنه   مما يقوم على الثلاث كسيراً
وقال أبو عبيدة: هو الذي يجمع يديه ويسويهما وأما الذي يقف على طرف الحافر فهو المتخيم، وعن " التهذيب " و " متن اللغة " هو المخيم، وقال القتبـي الصافن الواقف في الخيل وغيرها، وفي الحديث " من سره أن يقوم الناس له صفوناً فليتبوأ مقعده من النار " أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد للنابغة:
لنا قبة مضروبة بفنائها   عتاق المهارى والجياد الصوافن
وقال الفراء: رأيت العرب على هذا وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة والمشهور في الصفوف ما تقدم وهو من الصفات المحمودة في الخيل لا تكاد تتحقق إلا في العِراب الخلص.

{ ٱلْجِيَادُ } جمع جواد للذكر والأنثى يقال جاد الفرس صار رائضاً يجود جودة بالضم وهو جواد ويجمع أيضاً على أجواد وأجاويد، وقال بعضهم: هو جمع جود كثوب وأثواب وفسر بالذي يسرع في مشيه، وقيل هو الذي يجود بالركض، وقيل: وصفت بالصفون والجودة لبيان جمعها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية أي إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها، والخيل تمدح بالسكون في الموقف كما تمدح بالسرعة في الجري، ومن ذلك قول مسلم بن الوليد:
وإذا احتبـى قربوسه بعنانه   علك الشكيم إلى انصراف الزائر
وقيل جيد ككيس ضد الردىء ويجمع على جيادات وجيائد، وضعف بأنه لا فائدة في ذكره مع { ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ } حينئذٍ وبأنه يفوت عليه مدح الخيل باعتبار حاليها وكون الجياد أعم فذكره تعميم بعد تخصيص فيه نظر.

وفي «البحر» قيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق. وأنا في شك من ثبوته، قال في «القاموس»: الجيد بالكسر العنق أو مُقَلَّدُه أو مُقَدَّمَه جمعه أجياد وجُيود وبالتحريك طولها أو دقتها مع طول وهو أجيد وهي جيداء وجيدانة جمعه جُود اهـ، وراجعت غيره فلم أجد فيه زيادة على ذلك فلينقر، ويمكن أن يقال: إن الجياد جمع شاذ لأجيد أو جيداء أو جيدانة أو هو جمع لجيد بالتحريك كجمل وجمال ويراد بجيد أجيد أو نحوه نظير ما يراد بالخلق المخلوق والله تعالى أعلم، وأياً ما كان فالوصفان يوصف بهما المذكر والمؤنث من الخيل، والجمع بألف وتاء لا يخص المؤنث فلا حاجة بعد القول بأن ما عرض كان مشتملاً على ذكور الخيل وإناثها إلى القول بأن في الصافنات تغليب المؤنث على المذكر وأنه يجوز بقلة، وأريد بالجمع هنا الكثرة فعن الكلبـي أن هذه الخيل كانت ألف فرس غزا سليمان عليه السلام دمشق ونصيبين فأصابها.

السابقالتالي
2