الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

{ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلاْرْضِ } إما حكاية لما خوطب به عليه السلام مبينة لزلفاه عنده عز وجل وإما مقول لقول مقدر معطوف علىغَفَرْنَا } [ص: 25] أو حال من فاعله أي وقلنا له أو قائلين له يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض أي استخلفناك على الملك فيها والحكم فيما بين أهلها أو جعلناك خليفة ممن قبلك من الأنبياء القائمين بالحق، وهو على الأول: مثل فلان خليفة السلطان إذا كان منصوباً من قبله لتنفيذ ما يريده، وعلى الثاني: من قبيل هذا الولد خليفة عن أبيه أي ساد مسده قائم بما كان يقوم به من غير اعتبار لحياة وموت وغيرهما، والأول أظهر والمنة به أعظم فهو عليه السلام خليفة الله تعالى بالمعنى الذي سمعت، قال ابن عطية: ((ولا يقال خليفة الله تعالى إلا لرسوله وأما الخلفاء فكل واحد منهم خليفة من قبله، وما يجىء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله فذلك تجوز كما قال قيس الرقيات:
خليفة الله في بريته   جفت بذاك الأقلام والكتب
وقالت الصحابة لأبـي بكر: خليفة رسول الله وبذلك كان يدعى إلى أن توفي فلما ولي عمر قالوا خليفة خليفة رسول الله فعدل عنه اختصاراً إلى أمير المؤمنين)). وذهب الشيخ الأكبر محيـي الدين قدس سره إلى أن الخليفة من الرسل من فوض إليه التشريع ولعله من جملة اصطلاحاته ولا مشاحة في الاصطلاح.

واستدل بعضهم بالآية على احتياج الأرض إلى خليفة من الله عز وجل وهو قول من أوجب على الله تعالى نصب الإمام لأنه من اللطف الواجب عليه سبحانه، والجماعة لا يقولون بذلك والإمامة عندهم من الفروع وإن ذكروها في كتب العقائد، وليس في الآية ما يلزم منه ذلك كما لا يخفى وتحقيق المطلب في محله.

{ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ } الذي شرعه الله تعالى لك فالحق خلاف الباطل وأل فيه للعهد، وجوز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى أي بحكم الحق أي الله عز وجل للعلم بأن الذوات لا يكون محكوماً بها. وتعقب بأن مقابلته بالهوى تأبـى ذلك، ولعل من يقول به يجعل المقابل المضاف المحذوف والمقابلة باعتبار أن حكم الله تعالى لا يكون إلا بالحق، وفرع الأمر بالحكم بالحق على ما تقدم لأن الاستخلاف بكلا المعنيين مقتض للحكم العدل لا سيما على المعنى الأول لظهور اقتضاء كونه عليه السلام خليفة له تعالى أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه بل يكون على وفق إرادته ورضاه. وقيل المترتب مطلق الحكم لظهور ترتبه على كونه خليفة. وذكر الحق لأن به سداده، وقيل ترتب ذلك لأن/ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل.

السابقالتالي
2