الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل ذي النعجات الكثيرة وتهجين طمعه. وليس هذا ابتداء من داود عليه السلام إثر فراغ المدعى من كلامه ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور الحال لديه فقيل: ذلك على تقدير: لقد ظلمك إن كان ما تقول حقا؛ وقيل ثم كلام محذوف أي فاقر المدعى عليه فقال لقد ظلمك الخ ولم يحك في القرآن اعتراف المدعى عليه لأنه معلوم من الشرائع كلها أنه لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدعى عليه، وجاء في رواية أنه عليه السلام لما سمع كلام الشاكي قال للآخر ما تقول فأقر فقال له: لترجعن إلى الحق أو لأكسرن الذي فيه عيناك، وقال للثاني: { لَقَدْ ظَلَمَكَ } الخ فتبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه، وقيل: ذهبا نحو السماء بمرأى منه، وقال الحليمي: إنه عليه السلام رأى في المدعي مخايل الضعف والهضيمة فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعى عليه فاستعجل بقوله: { لَقَدْ ظَلَمَكَ } ولا يخفى أنه قول ضعيف لا يعول عليه لأن مخايل الصدق كثيراً ما تظهر على الكاذب والحيلة أكثر من أن تحصى قديماً وحديثاً؛ وفيما وقع من إخوة يوسف عليه السلام ولم يكونوا أنبياء على الأصح ما يزيل الاعتماد في هذا الباب، وبعض الجهلة ذهب إلى نحو هذا، وزعم أن ذنب داود عليه السلام ما كان إلا أنه صدق أحدهما على الآخر وظلمه قبل مسألته. والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة كأنه قيل: لقد ظلمك بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب أو لقد ظلمك بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه.

{ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلْخُلَطَاء } أي الشركاء الذين خلطوا أموالهم الواحد خليط وهي الخلطة وقد غلبت في الماشية وفي حكمها عند الفقهاء كلام ذكر بعضاً منه الزمخشري { لَيَبْغِى } ليتعدى { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } غير مراع حق الشركة والصحبة.

/ { إلاَّ الَّذينَ ءَامَنُوا وَعَملُوا الصَّـٰلحَـٰت } منهم فإنهم يتحامون عن البغي والعدوان { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } أي وهم قليل جداً فقليل خبر مقدم و { هُمْ } مبتدأ و (ما) زائدة، وقد جاءت المبالغة في القلة من التنكير وزيادة (ما) الإبهامية ويتضمن ذلك التعجب فإن الشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل: ما أقلهم. والجملة اعتراض تذييلي، وقرىء { ليبغي } بفتح الياء على تقدير حذف النون الخفيفة وأصله ليبغين كما قال طرفة بن العبد:
اضرب عنك الهموم طارقها   ضربك بالسيف قونس الفرس
يريد اضربن، ويكون على تقدير قسم محذوف وذلك القسم وجوابه خبر لإن، وعلى قراءة الجمهور اللام هي الواقعة في خبر إن وجملة { يبغي } الخ هو الخبر، وقرىء { ليبغ } بحذف الياء للتخفيف كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4