الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ }

{ لاَ فِيهَا غَوْلٌ } أي غائلة كما في خمر الدنيا من غاله يغوله إذا أفسده، وقال الراغب: الغول إهلاك الشيء من حيث لا يحس به يقال غاله يغوله غولاً واغتاله اغتيالاً، ومنه سمي السعلاة غولاً، والمراد هنا نفي أن يكون فيها ضرر أصلاً. وروى البيهقي وجماعة عن ابن عباس أنه قال في ذلك ليس فيها صداع؛ وفي رواية ابن أبـي حاتم عنه لا تغول عقولهم من السكر، وأخرج الطستي عنه أن نافع بن الأزرق قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } فقال: ليس فيها نتن ولا كراهية كخمر الدنيا قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال: نعم أما سمعت قول امرىء القيس:
رب كأس شربت لا غول فيها   وسقيت النديم منها مزاجا
وفي رواية أخرى عنه أنه فسر ذلك بوجع البطن، وروي ذلك عن مجاهد وابن زيد وابن جبير. واختير التعميم وأن التنصيص على مخصوص من باب التمثيل، وتقديم الظرف على ما قيل للتخصيص، والمعنى ليس فيها ما في خمور الدنيا من الغول، وفيه كلام في كتب المعاني.

{ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } أي لا يسكرون كما روي عن ابن عباس وغيره، وهو بيان لحاصل المعنى. وأصل النزف نزع الشيء وإذهابه بالتدريج يقال نزفت الماء من البئر إذا نزحته ونزعته كله منها شيئاً بعد شيء، ونزف الهم دمعه نزعه كله، ويقال شارب نزيف أي نزفت الخمر عقله بالسكر وأذهبته كما ينزف الرجل البئر وينزع ماءها فكأن الشارب ظرف للعقل فنزع منه، فلا ينزفون مبنياً للمفعول كما قرأ الحرميان والعربيان معناه لا تنزع عقولهم أي لا تنزع الخمر عقولهم ولا تذهبها أو الفاعل هو الله تعالى وتعدية الفعل بعن قيل لتضمينه معنى يصدرون، وقيل عن للتعليل والسببية. وأفرد هذا الفساد بالنفي وعطف على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه، وله سميت الخمر أم الخبائث، والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار وقرأ حمزة والكسائي { ينزفون } بضم الياء وكسر الزاي وتابعهما عاصم في الواقعة على أنه من أنزف الشارب إذا صار ذا نزف أي عقل أو شراب نافد ذاهب فالهمزة فيه للصيرورة، وقيل للدخول في الشيء ولذا صار لازماً فهو مثل كبه فأكب، وهو أيضاً بمعنى السكر لنفاد عقل السكران أو نفاد شرابه لكثرة شربه فيلزمه عليهما السكر ثم صار حقيقة فيه، قال الأبيرد اليربوعي:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم   لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
وفي «البحر» أن أنزف مشترك بين سكر ونفد فيقال أنزف الرجل إذا سكر وأنزف إذا نفد شربه. وتعدية الفعل للتضمين كما سبق، وجوز إرادة معنى النفاد من غير إرادة معنى السكر أي لا ينفد ولا يفنى شرابهم حتى ينغص عيشهم وليس بذاك.

السابقالتالي
2