الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

إشارة إلى وصفه تعالى بصفاته الكريمة الثبوتية بعد التنبيه على اتصافه عز وجل بجميع صفاته السلبية وإيذان باستتباعها للأفعال الحميدة التي من جملتها إفاضته تعالى على المرسلين من فنون الكرامات السنية والكمالات الدينية والدنيوية وإسباغه جل وعلا عليهم وعلى من تبعهم من صنوف النعماء الظاهرة والباطنة الموجبة لحمده تعالى وإشعار بأن ما وعده عليه السلام من النصرة والغلبة قد تحقق، والمراد تنبيه المؤمنين على كيفية تسبيحه سبحانه وتحميده والتسليم على رسله عليهم السلام الذين هم وسائط بينه تعالى وبينهم في فيضان الكمالات مطلقاً عليهم. وهو ظاهر في عدم كراهة إفراد السلام عليهم، ولعل توسيط التسليم على المرسلين بين تسبيحه تعالى وتحميده لختم السورة الكريمة بحمده تعالى مع ما فيه من الإشعار بأن توفيقه تعالى للتسليم عليهم من جملة نعمه تعالى الموجبة للحمد كذا في " إرشاد العقل السليم ".

وقد يقال: تقديم التنزيه لأهميته ذاتاً ومقاماً، ولما كان التنزيه عما يصف المشركون وقد ذكر عز وجل إرشاد الرسل إياهم وتحذيرهم لهم من أن يصفوه سبحانه بما لا يليق به تعالى وضمن ذلك الإشارة إلى سوء حالهم وفظاعة منقلبهم أردف جل وعلا ذلك بالإشارة إلى حسن حال المرسلين الداعين إلى تنزيهه تعالى عما يصفه به المشركون، وفيه من الاهتمام بأمر التنزيه ما فيه، وأتى عز وجل بالحمد للإشارة إلى أنه سبحانه متصف بالصفات الثبوتية كما أنه سبحانه متصف بالصفات السلبية وهذا وإن استدعى إيقاع الحمد بعد التسبيح بلا فصل كما في قولهم سبحان الله والحمد لله وهو المذكور في الأخبار والمشهور في الأذكار إلا أن الفصل بينهما هنا بالسلام على المرسلين مما اقتضاه مقام ذكرهم فيما مر وجدد الالتفات إليهم تقديم التنزيه عما يصفه به من يرسلون إليه، ولعل من يدقق النظر يرى أن السلام هنا أهم من الحمد نظراً للمقام وإن كان هو أهم منه ذاتاً والأهمية بالنظر للمقام أولى بالاعتبار عندهم ولذا تراهم يقدمون المفضول على الفاضل إذا اقتضى المقام الاعتناء به، ولعله من تتمة جملة التسبيح وبهذا ينحل ما يقال من أن حمده تعالى أجل من السلام على الرسل عليهم السلام فكان ينبغي تقديمه عليه على ما هو المنهج المعروف في الكتب والخطب، ولا يحتاج إلى ما قيل: إن المراد بالحمد هنا الشكر على النعم وهي الباعثة عليه ومن أجلها إرسال الرسل الذي هو وسيلة لخيري الدارين فقدم عليه لأن الباعث على الشيء يتقدم عليه في الوجود وإن كان هو متقدماً على الباعث في الرتبة فتدبر.

وهذه الآية من الجوامع والكوامل ووقوعها في موقعها هذا ينادي بلسان ذلق أنه كلام من له الكبرياء ومنه العزة جل جلاله وعم نواله.

السابقالتالي
2 3 4