الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

{ فَـئَامِنُواْ } فإن أولئك لم يؤمنوا عقيب إرساله الأول بل بعدما فارقهم. وأجيب بأنه تعقيب عرفي نحو تزوج فولد له. وقيل: الأقرب أن الفاء للتفصيل أو السببية، وقيل هو إرسال ثان إليهم بعد أن أصابه فالعطف على ما عنده. وأورد عليه أن المروي أنهم بعد مفارقته لهم رأوا العذاب أو خافوه فآمنوا فقوله تعالى: { فَـئَامِنُواْ } في النظم الجليل هنا يأبى عن حمله على إرسال ثان. وأجيب بأنه يجوز أن يكون الإيمان المقرون بحرف التعقيب إيماناً مخصوصاً أو أن آمنوا بتأويل أخلصوا الإيمان وجددوه لأن الأول كان إيمان بأس، وقيل هو إرسال إلى غيرهم، وقيل: إن الأولين بعد أن آمنوا سألوه أن يرجع إليهم فأبى لأن النبـي إذا هاجر عن قومه لم يرجع إليهم مقيماً فيهم وقال لهم: إن الله تعالى باعث إليكم نبياً.

وفي خبر طويل أخرجه أحمد في " الزهد " وجماعة عن ابن مسعود أنه عليه السلام بعد أن نبذ بالعراء وأنبت الله تعالى عليه الشجرة وحسن حاله خرج فإذا هو بغلام يرعى غنماً فقال: ممن أنت يا غلام؟ قال: من قوم يونس قال: فإذا رجعت إليهم فاقرئهم السلام وأخبرهم أنك لقيت يونس فقال له الغلام: إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل فمن يشهد لي؟ قال: تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة فقال الغلام ليونس: مرهما فقال لهما يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا: نعم فرجع الغلام إلى قومه وكان له إخوة فكان في منعة فأتى الملك فقال: إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام فأمر به الملك أن يقتل فقال: إن لي بينة فأرسل معه فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس قالتا: نعم فرجع القوم مذعورين يقولون: تشهد لك الشجرة والأرض فاتوا الملك فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فاجلسه في مجلسه وقال: أنت أحق بهذا المكان منى وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة، وهذا دال بظاهره أنه عليه السلام لم يرجع بعد أن أصابه ما أصابه إليهم فإن صح يراد بالإرسال هنا إما الإرسال الأول الذي تضمنه قوله تعالى:وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 139] وإما إرسال آخر إلى غير أولئك القوم، والمعروف عند أهل الكتاب أنه عليه السلام لم يرسل إلا إلى أهل نينوى، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً تفصيل قصته عندهم.

و { أَوْ } على ما نقل عن ابن عباس بمعنى بل، وقيل: بمعنى الواو وبها قرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما، وقيل: للإبهام على المخاطب، وقال المبرد وكثير من البصريين: للشك نظراً إلى الناظر من البشر على معنى من رآهم شك في عددهم وقال مائة ألف أو يزيدون والمقصود بيان كثرتهم أو أن الزيادة ليست كثيرة كثرة مفرطة كما يقال هم ألف وزيادة، وقال ابن كمال: المراد يزيدون باعتبار آخر وذلك أن المكلفين بالفعل منهم كانوا مائة ألف وإذا ضم إليهم المراهقون الذين بصدد التكليف كانوا أكثر؛ ومن هٰهنا ظهر وجه التعبير بصيغة التجدد دون الثبات.

السابقالتالي
2