الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ }

{ فَٱسْتَفْتِهِمْ } أي فاستخبرهم، وأصل الاستفتاء الاستخبار عن أمر حدث، ومنه الفتى لحداثة سنه، والضمير لمشركي مكة، قيل: والآية نزلت في أبـي الأشد بن كلدة الجمحي وكني بذلك لشدة بطشه وقوته واسمه أسيد، والفاء فصيحة أي إذا كان لنا من المخلوقات ما سمعت أو إذا عرفت ما مر فاستخبر مشركي مكة واسألهم على سبيل التبكيت { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي أقوى خلقة وأمتن بنية أو أصعب خلقاً وأشق إيجاداً { أَم مَّنْ خَلَقْنَا } من الملائكة والسمٰوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشياطين والشهب الثواقب. وتعريف الموصول عهدي أشير به إلى ما تقدم صراحة ودلالة وغلب العقلاء على غيرهم والاستفهام تقريري، وجوز أن يكون انكارياً، وفي مصحف عبد الله { أَم مَّنْ عددنا } وهو مؤيد لدعوى العهد بل قاطع بها. وقرأ الأعمش { أمن } بتخفيف الميم دون أم جعله استفهاماً ثانياً تقريرياً فمن مبتدأ خبره محذوف أي أمن خلقنا أشد.

{ إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } أي ملتصق كما أخرج ذلك ابن جرير وجماعة عن ابن عباس، وفي رواية أخرى بلفظ ملتزق وبه أجاب ابن الأزرق وأنشد له قول النابغة:
فلا تحسبون الخير لا شر بعده   ولا تحسبون الشر ضربة لازب
قيل: والمراد ملتزق بعضه ببعض، وبذلك فسره ابن مسعود كما أخرجه ابن أبـي حاتم ويرجع إلى حَسَنِ العجن جَيِّدِ التخمير، وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه يلزق باليد إذا مس بها وقال الطبري: خلق آدم من تراب وماء وهواء ونار وهذا كله إذا خلط صار طيناً لازباً يلزم ما جاوره، واللازب عليه بمعنى اللازم وهو قريب مما تقدم، وقد قرىء { لازم } بالميم بدل الباء و { لاتب } بالتاء بدل الزاي والمعنى واحد.

وحكي في/ " البحر " عن ابن عباس أنه عبر عن اللازب بالجر أي الكريم الجيد، وفي رواية أنه قال: اللازب الجيد. وأخرج عبد بن حيمد وابن المنذر عن مجاهد أنه قال: لازب أي لازم منتن، ولعل وصفه بمنتن، مأخوذ من قوله تعالى:مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [الحجر: 26] لكن أخرج ابن أبـي حاتم عن ابن عباس أنه قال: اللازب والحمأ والطين واحد كان أوله تراباً ثم صار حمأ منتناً ثم صار طيناً لازباً فخلق الله تعالى منه آدم عليه السلام.

وأياً ما كان فخلقهم من طين لازب إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم في أمر البعث بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه في ضمن خلق أبيهم آدم عليه السلام تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا منه مرة ثانية حيث قالوا:أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [الصافات: 16] ويعضد هذا على ما في " الكشاف " ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث.