الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }

{ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } استثناء متصل من واويَسْمَعُونَ } [الصافات: 8] و { مِنْ } بدل منه على ما ذكره الزمخشري ومتابعوه، وقال ابن مالك: إذا فصل بين المستثنى والمستثنى منه فالمختار النصب لأن الإبدال للتشاكل وقد فات بالتراخي، وذكره في «البحر» هنا وجهاً ثانياً، وقيل: هو منقطع على أن { مِنْ } شرطية جوابها الجملة المقرونة بالفاء بعد وليس بذاك. والخطف الاختلاس والأخذ بخفة وسرعة على غفلة المأخوذ منه، والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة بلام العهد لأن المراد بها أمر معين معهود فهي نصب على المصدرية، وجوز أن تكون مفعولاً به على إرادة الكلمة.

وقرأ الحسن وقتادة { خطف } بكسر الخاء والطاء مشددة، قال أبو حاتم: ويقال هي لغة بكر بن وائل وتميم بن مر والأصل اختطف فسكنت التاء للإدغام وقبلها خاء ساكنة فالتقى ساكنان فحركت الخاء بالكسر على الأصل وكسرت الطاء للاتباع وحذفت ألف الوصل للاستغناء عنها. وقرىء { خطف } بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة ونسبها ابن خالويه إلى الحسن وقتادة وعيسى، واستشكلت بأن فتح الخاء سديد لإلقاء حركة التاء عليها، وأما كسر الطاء فلا وجه له، وقيل في توجيهها: إنهم نقلوا حركة الطاء إلى الخاء وحذفت ألف الوصل ثم قلبوا التاء وأدغموا وحركوا الطاء بالكسر على أصل التقاء الساكنين وهو كما ترى، وعن ابن عباس { خطف } بكسر الخاء والطاء مخففة أتبع على ما في «البحر» حركة الخاء لحركة الطاء كما قالوا نعم.

{ فَأَتْبَعَهُ } أي تبعه ولحقه على أن أتبع من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد { شِهَابٌ } هو في الأصل الشعلة الساطعة من النار الموقدة، والمراد به العارض المعروف في الجو الذي يرى كأنه كوكب منقض من السماء { ثَاقِبٌ } مضىء كما قال الحسن وقتادة كأنه ثقب الجو بضوئه، وأخرج ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن يزيد الرقاشي أنه قال: يثقب الشيطان حتى يخرج من الجانب الآخر فذكر ذلك لأبـي مجلز فقال: ليس ذاك ولكن ثقوبه ضوؤه، وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن زيد { ٱلثَّاقِبُ } المتوقد وهو قريب مما تقدم. وأخرج عن السدي { ٱلثَّاقِبُ } المحرق.

وليست الشهب نفس الكواكب التي زينت بها السماء فإنها لا تنقض وإلا لانتقصت زينة السماء بل لم تبق، على أن المنقض إن كان نفس الكواكب بمعنى أنه ينقلع عن مركزه ويرمى به الخاطف فيرى لسرعة الحركة كرمح من نار لزم أن يقع على الأرض وهو إن لم يكن أعظم منها فلا أقل من أن ما انقض من الكواكب من حين حدث الرمي إلى اليوم أعظم منها بكثير فيلزم أن تكون الأرض اليوم مغشية بأجرام الكواكب والمشاهدة تكذب ذلك بل لم نسمع بوقوع جرم كوكب أصلاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6