الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

{ وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ } بتعليم الكتاب المشتمل على هذا البيان والتلخيص في أمر المبدأ والمعاد { ٱلشّعْرَ } إذ لا يخفى على من به أدنى مسكة أن هذا الكتاب الحكيم المتضمن لجميع المنافع الدينية والدنيوية على أسلوب أفحم كل منطيق يباين الشعر ولا مثل الثريا للثرى، أما لفظاً فلعدم وزنه وتقفيته، وأما معنى فلأن الشعر تخيلات مرغبة أو منفرة أو نحو ذلك وهو مقر الأكاذيب، ولذا قيل أعذبه أكذبه، والقرآن حكم وعقائد وشرائع. والمراد من نفي تعليمه صلى الله عليه وسلم بتعليم الكتاب الشعر نفي أن يكون القرآن شعراً على سبيل الكناية لأن/ ما علمه الله تعالى هو القرآن وإذا لم يكن المعلم شعراً لم يكن القرآن شعراً البتة، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام ليس بشاعر إدماجاً وليس هناك كناية تلويحية كما قيل، وهذا رد لما كانوا يقولونه من أن القرآن شعر والنبـي صلى الله عليه وسلم شاعر وغرضهم من ذلك أن ما جاء به عليه الصلاة والسلام من القرآن افتراء وتخيل وحاشاه ثم حاشاه من ذلك.

{ وَمَا يَنبَغِى لَهُ } اعتراض لتقرير ما أدمج أي لا يليق ولا يصلح له صلى الله عليه وسلم الشعر لأنه يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن ولأن أحسنه المبالغة والمجازفة والإغراق في الوصف وأكثره تحسين ما ليس بحسن وتقبيح ما ليس بقبيح وكل ذلك يستدعي الكذب أو يحاكيه الكذب وجل جناب الشارع عن ذلك كذا قيل. وقال ابن الحاجب: أي لا يستقيم عقلاً أن يقول صلى الله عليه وسلم الشعر لأنه لو كان ممن يقوله لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاء به من قبل نفسه وأنه من تلك القوة الشعرية ولذا عقب هذا بقوله تعالى:وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } [يس: 70] لأنه إذا انتفت الريبة لم يبق إلا المعاندة فيحق القول عليهم. وتعقب بأن الإيجاز يرفع التهمة وإلا فكونه عليه الصلاة والسلام في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة في النثر ليس بأضعف من قول الشعر في كونه مظنة تطرق التهمة بل ربما يتخيل أنه أعظم من قول الشعر في ذلك فلو كانت علة منعه عليه الصلاة والسلام من الشعر ما ذكر لزم أن يمنع من الكلام الفصيح البليغ سداً لباب الريبة ودحضاً للشبهة وإعظاماً للحجة فحيث لم يكن ذلك اكتفاءً بالإعجاز وأن التهمة والريب معه مما لا ينبغي أن يصدر من عاقل ولذا نفى الريب مع أنه وقع علم أن العلة في أنه عليه الصلاة والسلام لا ينبغي له الشعر شيء آخر، واختار هذا ابن عطية وجعل العلة ما في قول الشعر من التخييل والتزويق للقول وهو قريب مما سمعت أولاً، وهو الذي ينبغي أن يعول عليه.

السابقالتالي
2 3 4