الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ }

{ لّتُنذِرَ } متعلق بتنزيل أو بفعله المضمر على الوجه الثاني في إعرابه أي نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر به أو بما يدل عليهلَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 3] أي أرسلت أو إنك مرسل لتنذر { قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } أي لم تنذر آباؤهم على ما روي عن قتادة فما نافية والجملة صفة { قَوْماً } مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمراد بالإنذار الإعلام أو التخويف ومفعوله الثاني محذوف أي عذاباً لقوله تعالى:إِنَّا أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } [النبأ: 40] والمراد بآبائهم آباؤهم الأدنون وإلا فالأبعدون قد أنذرهم إسماعيل عليه السلام وبلغهم شريعة إبراهيم عليه السلام. وقد كان منهم من تمسك بشرعه على أتم وجه ثم تراخى الأمر وتطاول المدد فلم يبق من شريعته عليه السلام إلا الاسم. وفي «البحر» الدعاء إلى الله تعالى لم ينقطع عن كل أمة إما بمباشرة من أنبيائهم وإما بنقل إلى وقت بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم والآيات التي تدل على أن قريشاً ما جاءهم نذير معناها لم يباشرهم ولا آباءهم القريبين، وأما أن النذارة انقطعت فلا، ولما شرعت آثارها تندرس بعث النبـي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المتكلمون من حال أهل الفترات فهو على حسب الفرض اهـ. وعليه فالمعنى ما أنذر آباءهم رسول أي لم يباشرهم بالإنذار لا أنه لم ينذرهم منذر أصلاً فيجوز أن يكون قد أنذرهم من ليس بنبـي كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى:وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] وليس في ذلك إنكار الفترة المذكورة في قوله تعالى:عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } [المائدة: 19] لأنها فترة إرسال وانقطاعها زماناً لا فترة إنذار مطلقاً.

وعن عكرمة { مَا } بمعنى الذي، وجوز أن تكون موصوفة وهي على الوجهين مفعول ثان لتنذر أي لتنذر قوماً الذي أنذره أو شيئاً أنذره الرسل آباءهم الأبعدين، وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون (ما) مصدرية فتكون نعتاً لمصدر مؤكد أي لتنذر قوما إنذاراً مثل إنذار الرسل آباءهم الأبعدين، وقيل هي زائدة وليس بشيء.

{ فَهُمْ غَـٰفِلُونَ } هو على الوجه الأول متفرع على نفي الإنذار ومتسبب عنه والضمير للفريقين أي لم ينذر آباؤهم فهم جميعاً لأجل ذلك غافلون، وعلى الأوجه الباقية متعلق بقوله تعالى: { لّتُنذِرَ } أو بما يفيدهإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 3] وارد لتعليل إنذاره عليه الصلاة والسلام أو إرساله بغفلتهم المحوجة إليه نحو اسقه فإنه عطشان على أن الضمير للقوم خاصة فالمعنى فهم غافلون عنه أي عما أنذر آباؤهم. وقال الخفاجي: يجوز تعلقه بهذا على الأول أيضاً وتعلقه بقوله تعالى: { لّتُنذِرَ } على الوجوه وجعل الفاء تعليلية والضمير لهم أو لآبائهم اهـ، ولا يخفى عليك أن المنساق إلى الذهن ما قرر أولاً.