الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ }

{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } عليه بالإبل فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل وقلة كلالها في المسير، وإطلاق السفائن عليها شائع كما قيل:
سفائن بر والسراب بحارها   
وروي ذلك عن الحسن وعبد الله بن شداد، وفسره مجاهد بالأنعام الإبل وغيرها، وعن أبـي مالك وأبـي صالح وغيرهما وهي رواية عن ابن عباس أيضاً أن المراد بالفلك سفينة نوح عليه السلام على أن التعريف للعهد فما عبارة عما سمعت أيضاً عند بعض وعند آخرين هي السفن والزوارق التي كانت بعد تلك السفينة. واستشكل حمل ذريتهم في سفينة نوح عليه السلام. وأجيب بأن ذلك بحمل آبائهم الأقدمين وفي أصلابهم هؤلاء وذريتهم، وتخصيص الذرية مع أنهم محمولون بالتبع لأنه أبلغ في الامتنان حيث تضمن بقاء عقبهم وأدخل في التعجب ظاهراً حيث تضمن حمل ما لا يكاد يحصى كثرة في سفينة واحدة مع الإيجاز لأنه كان الظاهر أن يقال حملناهم ومن معهم ليبقى نسلهم فذكر الذرية يدل على بقاء النسل وهو يستلزم سلامة أصولهم فدل بلفظ قليل على معنى كثير.

وقال الإمام: يحتمل عندي أن التخصيص لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم أي لم يكن الحمل حملاً لهم وإنما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي حملنا ذريات جنسهم وهو كما ترى، وقيل: ضمير { لَهُمْ } لأهل مكة وضمير { ذُرّيَّتُهُم } للقرون الماضية الذين هم منهم وحكي ذلك عن علي بن سليمان وليس بشيء، وجوز الإمام كون الضميرين للعباد في قوله تعالى:يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } [يس: 30] ولا يكون المراد في كل أشخاصاً معينين بل ذلك على نحو هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم على معنى قتل بعضهم بعضاً فالمعنى آية لكل بعض منهم أنا حملنا ذرية كل بعض منهم أو ذرية بعض منهم وفيه من البعد ما فيه.

ورجح تفسير { مَا } بالإبل ونحوها من الأنعام دون السفن بأن المتبادر من الخلق الإنشاء والاختراع فيبعد أن يتعلق بما هو مصنوع العباد. وتعقب بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق وتبادر الإنشاء ممنوع وعليه يكون في الآية رد على المعتزلة كما قيل في قوله تعالى:وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96] على تقدير كون (ما) موصولة، و { مِنْ } تحتمل أن تكون للبيان وأن تكون للتبعيض؛ وجوز زيادتها على نظر الأخفش ورأيه، والظاهر أن ضمير { لَهُمْ } الثاني عائد على ما عاد عليه ضمير الأول، وجوز عوده على الذرية، وجوز أيضاً عود ضمير { مّثْلِهِ } على معلوم غير مذكور تقديره من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله سبحانه:سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلأَزْوٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلارْضُ } [يس: 36] وهو أبعد من العيوق، وأياً ما كان فلا يخفى مناسبة هذه الآية لقوله تعالى:كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40] وإنما لم يؤت بها على أسلوب أخواتها بأن يقال وآية لهم الفلك حملنا ذريتهم فيه كما قال سبحانه:وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـٰهَا } [يس: 33]وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] لأنه ليس الفلك نفسه عجباً وإنما حملهم فيه هو العجب.

وقرأ نافع وابن عامر والأعمش وزيد بن علي وأبان بن عثمان { ذرياتهم } بالجمع، وكسر زيد وأبان الذال.