الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا } أي يتسخر ويتسهل كما في قولك النار ينبغي أن تحرق الثوب أو يحسن ويليق أي حكمة كما في قولك الملك ينبغي أن يكرم العالم، واختار غير واحد المعنى الأول. وأصل { يَنبَغِى } مطاوع بغي بمعنى طلب وما طاوع وقبل الفعل فقد تسخر وتسهل. والنفي راجع في الحقيقة إلى { يَنبَغِى } فكأنه قيل: لا يتسهل للشمس ولا يتسخر { أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } أي في سلطانه بأن تجتمع معه في الوقت الذي حده الله تعالى له وجعله مظهراً لسلطانه فإنه عز وجل جعل لتدبير هذا العالم بمقتضى الحكمة لكل من النيرين الشمس والقمر حداً محدوداً ووقتاً معيناً يظهر فيه سلطانه فلا يدخل أحدهما في سلطان الآخر بل يتعاقبان إلى أن يأتي أمر الله عز وجل.

وهذه الجملة لنفي أن تدرك الشمس القمر فيما جعل له وقوله تعالى: { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } لنفي أن يدرك القمر الشمس فيما جعل لها أي ولا آية الليل سابقة آية النهار وظاهر سلطانها في وقت ظهور سلطانها وإلى هذا المعنى يشير كلام قتادة والضحاك وعكرمة وأبـي صالح واختاره الزمخشري ليناسب قوله تعالى: { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا } ولأن الكلام في الآيتين دل عليه قوله تعالى:وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى } [يس: 38] الآيتان وآخراً { كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }.

وعبر بالإدراك أولاً وبالسبق ثانياً على ما في «الكشاف» لمناسبة/ حال الشمس من بطء السير وحال القمر من سرعته، ولم يقل ولا القمر سابق الشمس ليؤذن على ما قال الطيبـي بالتعاقب بين الليل والنهار وبنصوصية التدبير على المعاقبة فإنه مستفاد من الحركة اليومية التي مدار تصرف كل منهما عليه. وفي «الكشف» التحقيق أن المقصود بيان معاقبة كل من الشمس والقمر في ترتب الإضاءة وسلطانه على الاستقلال وكذلك اختلاف الليل والنهار فقيل: { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } كناية عن سبق آيته آيته فحصل الدلالة على الاختلاف أيضاً إدماجاً لأنها لا تنافي إرادة الحقيقة، وجاء من ضرورة التقابل هذا المعنى في النهار أيضاً من قوله تعالى: { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } ولما ذكر مع الشمس الإدراك المؤذن بأنها طالبة للحاق قيل: { لاَّ يَنبَغِى } رعاية للمناسبة وجىء بالفعل المؤذن بالتجدد ولما نفى السبق في المقابل أكد ذلك بأن جىء بالجملة الاسمية المحضة من دون الابتغاء لأنه مطلوب اللحوق اهـ.

ولم يذكر السر في إدخال حرف النفي على الشمس دون الفعل المؤذن بصفتها ويوشك أن يكون أخفى من السها وكان ذلك ليستشعر منه في المقام الخطابـي أن الشمس إذا خليت وذاتها تكون معدومة كما هو شأن سائر الممكنات وإنما يحصل لها ما يحصل من علته التي هي عبارة عن تعلق قدرته تعالى به على وفق إرادته سبحانه الكاملة التي لا يأبـى عنها شيء من أشياء عالم الإمكان ويفيد ذلك في غاية كونها مسخرة في قبضة تصرفه عز وجل لا شيء فوق تلك المسخرية وفيه تأكيد لما يفيده قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8