الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ }

{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ } أي صيرنا مسيره أي محله الذي يسير فيه { مَنَازِلَ } فقدر بمعنى صير الناصب لمفعولين والكلام على حذف مضاف والمضاف المحذوف مفعوله الأول و { مَنَازِلَ } مفعوله الثاني. واختار أبو حيان تقدير مصدر مضاف وقدر متعد إلى واحد و { مَنَازِلَ } منصوب على الظرفية أي قدرنا سيره في منازل وقدر بعضهم نوراً أي قدرنا نوره في منازل فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في المنازل الاستقبالية لما أن نوره مستفاد من ضوء الشمس لاختلاف تشكلاته/ بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها وبهذا يتم الاستدلال، والحق أنه لا قطع بذلك وليس هناك إلا غلبة الظن، ويجوز أن يكون قدر متعدياً لاثنين و { مَنَازِلَ } بتقدير ذا منازل، وأن يكون متعدياً لواحد وهو { مَنَازِلَ } والأصل قدرنا له منازل على الحذف والإيصال واختاره أبو السعود.

ونصب { ٱلْقَمَرُ } بفعل يفسره المذكور أي وقدرنا القمر قدرناه وفي ذلك من الاعتناء بأمر التقدير ما فيه، وكأنه لما أن شهرهم باعتباره ويعلم منه سر تغيير الأسلوب. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه { وَٱلْقَمَرِ } بالرفع قال غير واحد، على الابتداء وجملة { قَدَّرْنَـٰهُ } خبره، ويجوز فيما أرى أن يجري في التركيب ما جرى في قوله تعالى:وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى } [يس: 38] من الإعراب تدبر، والمنازل جمع منزل والمراد به المسافة التي قطعها القمر في يوم وليلة وهي عند أهل الهند سبعة وعشرون لأن القمر يقطع فلك البروج في سبعة وعشرين يوماً وثلث فحذفوا الثلث لأنه ناقص عن النصف كما هو مصطلح أهل التنجيم، وعند العرب وساكني البدو ثمانية وعشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحداً كما قال بعضهم بل لأنه لما كانت سنوهم باعتبار الأهلة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء أخرى وكذا أوقات تجارتهم وزمان أعيادهم احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول السنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل من الانتقال إلى المراعي وغيرها فاحتالوا في ضبطها فنظروا أولاً إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ويختفي آخر الشهر لليلتين أو أقل أو أكثر فأسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيات مستهلاً أول الشهر وأخر رؤيته بالغدوات مستتراً آخره فقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً وهو ستة أسباع درجة فنصيب كل برج منه منزلان وثلث ثم لما انضبط الدور بهذه القسمة احتالوا في ضبط سنة الشمس بكيفية قطعها لهذه المنازل فوجدوها تستر دائماً ثلاثة منازل ما هي فيه بشعاعها وما قبلها بضياء الفجر وما بعدها بضياء الشمس ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين كل ظهوري منزلتين ثلاثة عشر يوماً تقريباً فأيام جميع المنازل تكون ثلثمائة وأربعة وستين لكن الشمس تقطع جميعها في ثلثمائة وخمس وستين فزادوا يوماً في أيام منزل غفر وزادوه هٰهنا اصطلاحاً منهم أو لشرفه على ما تسمعه إن شاء الله تعالى وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة ويرجع الأمر إلى النجم الأول.

السابقالتالي
2 3 4 5 6