الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

{ وَٱلشَّمْسُ } عطف علىٱلَّيْلُ } [يس: 37] أي وآية لهم الشمس. وقوله تعالى: { تَجْرِى } الخ استئناف لبيان كونها آية، وقيل: { ٱلشَّمْسُ } مبتدأ وما بعده خبر والجملة عطف علىٱلَّيْلُ نَسْلَخُ } [يس: 37] وقيل غير ذلك فلا تغفل. والجري المر السريع، وأصله لمر الماء ولما يجري بجريه والمعنى تسير سريعاً { لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } لحد معين تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره من حيث أن في كل انتهاء إلى محل معين وإن كان للمسافر قرار دونها، وروي هذا عن الكلبـي واختاره ابن قتيبة، والمستقر عليه اسم مكان واللام بمعنى إلى وقرىء بها بدل اللام، وجوز أن تكون تعليلية أو لمنتهى لها من المشارق اليومية والمغارب لأنها تتقصاها مشرقاً مشرقاً ومغرباً مغرباً حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه. وروي هذا عن الحسن وهو متفق في أن المستقر اسم مكان واللام على ما سمعت، ومختلف باعتبار أن الأول من استقرار المسافر تشبيهاً لانتهاء الدورة بانتهاء السفرة وهذا باعتبار مقنطرات الارتفاع وبلوغ أقصاها ومقنطرات الانخفاض كذلك والاستقرار باعتبار عدم التجاوز عن الأول في استقصاء المشارق وعن الثاني في استقصاء المغارب أو لحد لها من مسيرها كل يوم في رأي عيوننا وهو المغرب، والمستقر عليه اسم مكان أيضاً واللام كما سمعت أو لكبد السماء ودائرة نصف النهار فالمستقر واللام على نظير ما تقدم.

وكون ذلك محل قرارها إما مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى؛ قال ذو الرمة يصف فرسه وجريه في الظهيرة وشدة الحر:
معروريا رمض الرضراض تركضه   والشمس حيرى لها بالجو تدويم
أو لاستقرار لها ومكث في كل برج من البروج الإثني عشر على نهج مخصوص فالمستقر مصدر ميمي واللام داخلة على الغاية أو الحامل، وقيل: تجري لبيتها وهو برج الأسد، واستقرارها عبارة عن حسن حالها فيه، وهذا غير مقبول إلا عند أهل الأحكام ولا يخفى حكمهم على محققي الإسلام، وقال قتادة ومقاتل المعنى تجري إلى وقت لها لا تتعداه، قال الواحدي: وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وهذا اختيار الزجاج كما قال النووي: في «شرح صحيح مسلم»، ومستقر عليه اسم زمان وفي غير واحد من " الصحاح " عن أبـي ذر قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت الله تعالى ورسوله أعلم قال: تذهب لتسجد فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله عز وجل: { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا } وفي رواية أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها وتحت العرش فتخر ساجدة " الحديث وفي ذلك عدة روايات وقد روي مختصراً جداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6