الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ }

{ وَءايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ } بيان لقدرته تعالى الباهرة في الزمان بعدما بينها سبحانه في المكان، و { ءايَةُ } خبر مقدم و { ٱلَّيْلُ } مبتدأ مؤخر وقوله تعالى: { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } استئناف لبيان كونه آية، وفي التركيب احتمالات أخر تعلم مما مر إلا أن الأرجح ما ذكر أي نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل وموضع إلقاء ظله وظلمته وهو الهواء/ فالنهار عبارة عن الضوء إما على التجوز أو على حذف المضاف، وقوله تعالى: { مِنْهُ } على حذف مضاف وذلك لأن النهار والليل عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته ولا معنى لكشف أحدهما عن الآخر.

وأصل السلخ كشط الجلد عن نحو الشاة فاستعير لكشف الضوء عن مكان الليل وملقى ظلمته وظله استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر فإنه يترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، وجوز أن يكون في النهار استعارة مكنية وفي السلخ استعارة تخييلية والجمهور على ما ذكرنا و (من) ابتدائية، وقيل: تبعيضية وجعلها سببية ليس بشيء، وهذا التفسير محكي عن الفراء ونحوه تفسير السلخ بالنزع.

واستعمال الفاء في قوله تعالى: { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } أي داخلون في الظلام كما يفيده همزة الإفعال عليه ظاهر، ووقع في عبارة الشيخ عبد القاهر والإمام السكاكي أن المستعار له في الآية ظهور النهار من ظلمة الليل والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وذلك على ما قال العلامة الطيبـي والفاضل اليمني مأخوذ من قول الزجاج معنى { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارتهما بمعنى الخروج وهو يتعدى بمن فلا حاجة إلى جعلها بمعنى عن. وقد جاء بهذا المعنى كما في قول عمر لأبـي عبيدة رضي الله تعالى عنهما: اظهر بمن معك من المسلمين إليها أي الأرض يعني أخرج إلى ظاهرها، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " كان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ولم يظهر الفيء بعد من الحجرة " أي لم يخرج إلى ظاهرها فسقط ما أورد عليه من أنه لو أريد الظهور لقيل فإذا هم مبصرون ولم يقل { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } لأن الواقع عقيب ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الإظلام من غير حاجة إلى حمل العبارة على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار، وبعضهم رفع هذا الإيراد بأن النهار عبارة عن مجموع المدة من طلوع الفجر أو الشمس إلى الغروب لا عن بعضها فالواقع عقيب هذه المدة كلها الدخول في الظلام. وتعقبه السيالكوتي بأن الدخول في الظلام مترتب على السلخ لا على انقضاء مدة النهار.

السابقالتالي
2 3