الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ }

{ إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ } الظاهر أن / الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهاراً للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظاً ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا. وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أرباباً أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم { فَٱسْمَعُونِ } أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء، وقدر بعضهم المضاف المحذوف عاماً وفسر السماع بالقبول كما في «سمع الله تعالى لمن حمده» أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.

وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروي عن ابن عباس وكعب ووهب وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يسقَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } [يس: 20] خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: { إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهاراً لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روماً لزيادة التقرير وإظهاراً للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عز وجل كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم، وقيل الخطابان للناس جميعاً.

وروي عن عاصم أنه قرأ { فَٱسْمَعُونِ } بفتح النون، قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فاسمعوا وإما أن تبقى وتكسر؛ ومن الناس من وجهه بأن الأصل فاسمعونا أي فاسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم.