الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ }

وقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } الخ تذييل عام للفريقين المصممين على الكفر والمشفعين بالإنذار ترهيباً وترغيباً ووعيداً ووعداً، وتكرير الضمير لإفادة الحصر أو للتقوية، وما ألطف هذا الضمير الذي عكسه كطرده هٰهنا، وضمير العظمة للإشارة إلى جلالة الفعل، والتأكيد للاعتناء بأمر الخبر أو لرد الإنكار فإن الكفرة كانوا يقولون:إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [المؤمنون: 37] أي إنا نحن نحيـي الأموات جميعاً ببعثهم يوم القيامة.

{ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } ما أسلفوه من الأعمال الصالحة والطالحة { وَءاثَارَهُمْ } التي أبقوها بعدهم من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء في سبيل الله تعالى بنون وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادىء الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها بعدهم للمفسدين. أخرج ابن أبـي حاتم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئاً ثم تلا { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ } " وعن أنس أنه قال في الآية: هذا في الخطو يوم الجمعة، وفسر بعضهم الآثار بالخطا إلى المساجد مطلقاً لما أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والترمذي وحسنه عن أبـي سعيد الخدري قال كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ } فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه يكتب آثاركم ثم تلا عليهم الآية فتركوا. وأخرج الإمام أحمد في «الزهد» وابن ماجه وغيرهما عن ابن عباس قال كانت الأنصار منازلهم بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا قريباً من المسجد فنزلت { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ } فقالوا بل نمكث مكاننا. وأنت تعلم أنه لا دلالة فيما ذكر على أن الآثار هي الخطا لا غير وقصارى ما يدل عليه أنها من الآثار فلتحمل الآثار على ما يعمها وغيرها.

واستدل بهذين الخبرين ونحوهما على أن الآية مدنية. وقال أبو حيان: ليس ذلك زعماً صحيحاً وشُنع عليه بما ورد مما يدل على ذلك، وانتصر له الخفاجي بأن الحديث الدال معارض بما في «الصحيحين» أن النبـي صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته عليه الصلاة والسلام لا تنافي تقدم النزول ومراد أبـي حيان هذا لا أنه أنكر أصل الحديث، ولا يخفى أن الحديثين / السابقين ظاهران في أن الآية نزلت يومئذ وليس في حديث «الصحيحين» ما يعارض ذلك، والعجب من الخفاجي كيف خفي عليه هذا.

السابقالتالي
2 3