الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } أي حسن له عمله السيء { فَرَءاهُ } فاعتقده بسبب التزيين { حَسَنًا } فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، و { مِنْ } موصولة في موضع رفع على الابتداء والجملة بعدها صلتها والخبر محذوف والفاء للتفريع والهمزة للإنكار فإن كانت مقدمة من تأخير كما هو رأي سيبويه والجمهور في نظير ذلك فالمراد تفريع إنكار ما بعدها على ما قبلها من الحكمين السابقين أي إذا كانت عاقبة كل من الفريقين ما ذكر فليس الذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده / حسناً وانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح وإن كانت في محلها الأصلي وكان العطف على مقدر تكون هي داخلة إليه كما ذهب إليه جمع فالمراد ما في حيزها ويكون التقدير أهما، أي الذين كفروا والذين آمنوا وعملوا الصالحات متساويان فالذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده حسناً وانهمك فيه كمن استقحبه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح أي ما هما متساويان ليكون الذي زين له الكفر كمن استقبحه، وحذف هذا الخبر لدلالة الكلام عليه واقتضاء النظم الجليل إياه، وقد صرح بالجزأين في نظير الآية الكريمة من قوله تعالى:أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } [محمد: 41] وقوله سبحانه:أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [الرعد: 19] وقوله عز وجل:أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } [الأنعام: 122] وفي التعبير عن الكافر بمن زين له سوء عمله فرآه حسناً إشارة إلى غاية ضلاله حتى كأنه غلب على عقله وسلب تمييزه فشأن المغلوب على عقله ذلك كما يشير إليه قول أبـي نواس:
اسقني حتى تراني   حسناً عندي القبيح
وظاهر كلام الزجاج أن (من) شرطية حيث قال: الجواب على ضربين، أحدهما: ما يدل عليه قوله تعالى: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ } الخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة، وثانيهما: ما يدل عليه قوله تعالى: { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله تعالى، وإلى ذلك ذهب ابن مالك أيضاً. واعترض ابن هشام على التقدير الثاني بأن الظرف لا يكون جواباً وإن قلنا إنه جملة، ووجهه أن الرضي صرح بأنه لا يكون مستقراً في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجواب لا أن ذلك لعدم الفاء، وتقديرها داخلة على مبتدأ يكون الظرف خبره والجملة بتمامها جزاء غير جائز لما فيه من التكلف كما قيل.

وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون الزجاج قد ذهب إلى أن من موصولة وأطلق على خبرها الجواب لشبهه به في المعنى ألا تراهم يدخلون الفاء في خبر الموصول الذي صلته جملة فعلية كما يدخلونها في جواب الشرط فيقولون الذي يأتيني فله درهم، وفيه أنه خلاف الظاهر ولا قرينة على إرادته سوى عدم صحة الجزائية، وضعف التقدير الأول بالفصل بين ما فيه الحذف ودليل المحذوف مع خفاء ربط الجملة بما قبلها عليه، ولا ينبغي أن تكون (من) شرطية جوابها (فرآه) لما في ذلك من الركاكة الصناعية فإن الماضي في الجواب لا يقترن بالفاء بدون قد مع خفاء أمر إنكار رؤية سوء العمل حسناً بعد التزيين وتفريعه على ما قبله من الحكمين، وكون الإنكار لما أن المزين هو الشيطان العدو والتفريع على قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4