{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ } جميعاً { بِمَا كَسَبُواْ } فعلوا من السيآت كما واخذ أولئك { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } أي ظهر الأرض وقد سبق ذكرها في قوله تعالى:{ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } [فاطر: 44] فليس من الاضمار قبل الذكر كما زعمه الرضي؛ وظهر الأرض مجاز عن ظاهرها كما قال الراغب وغيره، وقيل: في الكلام استعارة مكنية تخييلية والمراد ما ترك عليها { مِن دَابَّةٍ } أي من حيوان يدب على الأرض لشؤم المعاصي، وقد قال سبحانه{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال: 25] وهو المروي عن ابن مسعود، وقيل: المراد بالدابة الإنس وحدهم وأيد بقوله تعالى: { وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } وهو يوم القيامة فإن الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء نوعهم، وقيل: هو لجميع من ذكر تغليباً ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات. { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } فيجازي المكلفين منهم عند ذلك بأعمالهم إن شراً فشر وإن خيراً فخير، وجملة { فإن الله } الخ موضوعة موضع الجزاء والجزاء في الحقيقة يجازي كما أشرنا إليه، هذا والله تعالى هو الموفق للخير ولا اعتماد إلا عليه. ومن باب الإشارة: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } إشارة إلى إيجاد عالمي اللطافة والكثافة وإلى أن إيجاد عالم اللطافة مقدم على إيجاد عالم الكثافة، ويشير إلى ذلك ما شاع ((خلق الله تعالى الأرواح قبل الأبدان بأربعة آلاف سنة { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } في إيصال أوامره من يشاء من عباده أو وسائط تجري إرادته سبحانه في مخلوقاته على أيديهم { أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ } إشارة إلى اختلافهم في الاستعداد{ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء } [فاطر: 1] عام في الملك وغيره، وفسرت الزيادة بهبة استعداد رؤيته عز وجل{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس: 26] { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } الزيادة المشار إليها وغيرها{ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2] فيه إشارة إلى أن رحمته سبحانه سبقت غضبه عز وجل{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } [فاطر: 4] تسلية لحبيبه صلى الله عليه وسلم وإرشاد لورثته إلى الصبر على إيذاء أعدائهم لهم وتكذيبهم إياهم وإنكارهم عليهم{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَـٰباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } [فاطر: 9] جرت سنته تعالى في أحياء الأرض بهذه الكيفية كذلك إذا أراد سبحانه احياء أرض القلب فيرسل أولاً رياح الإرادة فتثير سحاب المحبة ثم يأتي مطر الجود والعناية فينبت في القلب رياحين الروح وأزهار البسط ونوار الأنوار ويطيب العيش. { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً }