الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } أي حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم { لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } الضمائر لقريش، وذلك أنهم بلغهم قبل مبعث النبـي صلى الله عليه وسلم أن طائفة من أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا: لعن الله تعالى اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن جاءنا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم فكان منهم بعد ما كان فأنزل الله تعالى هذه الآية و { لَئِنِ جَاءهُمْ } جاء على المعنى وإلا فهم قالوا:جَاءنَا } [الملك: 9] وكذا { لَّيَكُونُنَّ } و(إحدى) بمعنى واحدة، والظاهر أنها عامة وإن كانت نكرة في الإثبات لاقتضاء المقام العموم، وتعريف { ٱلأُمَمِ } للعهد والمراد الأمم الذين كذبوا رسلهم أي لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من كل واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم فنؤمن جميعاً ولا يكذب أحد منا أو المعنى لنكونن أهدى من أمة يقال فيها إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها من الأمم كما يقال هو واحد القوم وواحد عصره وكما قالوا هو أحد الأحدين وهي إحدى الإحَد يريدون التفضيل في الدعاء والعقل، قال الشاعر:
حتى استثاروا بي إحدى الإحَد   ليثا هِزْبراً ذا سلاح معتد
وقد نص ابن مالك في «التسهيل» على أنه قد يقال لما يستعظم مما لا نظير له هو إحدى الإحَد لكن قال الدماميني في «شرحه»: إنما ثبت استعماله في إحدى ونحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظه كإحدى الإحَد وأحد الأحدين أو المضاف إلى وصف كأحد العلماء وإحدى الكبر أما في المضاف إلى أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل، وبحث فيه بأنه قد ثبت استعمال إحدى في الاستعظام من دون إضافة أصلاً فإنهم يقولون للداهية العظيمة هي إحدى من سبع أي إحدى ليالي عاد في الشدة وشاع واحد قومه وأوحدهم وأوحد أمه ولم يظهر فارق بين المضاف إلى الجمع المأخوذ من اللفظ والمضاف إلى الوصف وبين المضاف إلى أسماء الأجناس ولا أظن أن مثل ذلك يحتاج إلى نقل فليتدبر.

وقال صاحب «الكشف»: إن دلالة { إِحْدَى ٱلأُمَمِ } على التفضيل ليست بواضحة بخلاف واحد القوم ونحوه ثم وجهها أنه على أسلوب
أو يرتبط بعض النفوس حمامها   
يعني أن البعض المبهم قد يقصد به التعظيم كالتنكير فاحدى مثله، وفيه أنه متى ثبت استعماله للاستعظام كانت دلالته على التفضيل في غاية الوضوح.

{ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ } وأي نذير وهو أشرف الرسل محمد صلى الله عليه وسلم كما روي عن ابن عباس وقتادة وهو الظاهر، وعن مقاتل هو انشقاق القمر وهو أخفى من السها والمقام عنه يأبـى { مَّا زَادَهُمْ } أي النذير أو مجيئه { إِلاَّ نُفُورًا } تباعداً عن الحق وهرباً منه، وإسناد الزيادة إلى ذلك مجاز لأنه هو السبب لها. والجملة جواب لما. واستدل بالآية على حرفيتها لمكان النفي المانع عن عمل ما بعده فيها، وفيه بحث.