الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً }

{ قُلْ } تبكيتاً لهم { قُلْ أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي آلهتكم، والإضافة إليهم لأدنى ملابسة حيث أنهم هم الذين جعلوهم شركاء الله تعالى واعتقدوهم كذلك من غير أن يكون له أصل ما أصلاً. وقيل: الإضافة حقيقية من حيث إنهم جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه أوجعلهم الله تعالى شركاء لهم في النار كما قال سبحانهإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] والصفة عليهما مقيدة لا مؤكدة، وسياق النظم الكريم وسباقه ظاهران فيما تقدم.

{ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } بدل اشتمال من { أَرَءيْتُمْ } لأنه بمعنى / أخبروني كأنه قيل: أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الإلهية والشركة. وجوز أن يكون بدل كل، وقال أبو حيان: لا تجوز البدلية لأنه إذا بدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل، وأيضاً إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك هٰهنا لأنه لا عامل لأرأيتم ثم قال: والذي أذهب إليه أن { أَرَءيْتُمْ } بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيداً ما صنع فالأول هنا { شُرَكَاؤُكُمُ } والثاني { مَاذَا خَلَقُواْ } و { أَرُونِىَ } جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد، ويحتمل أن يكون ذلك أيضاً من باب الإعمال لأنه توارد على { مَاذَا خَلَقُواْ } (أرأيتم) و(أروني) لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم: أما ترى أي برق هٰهنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين انتهى.

وما ذكره احتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولاً احتمال وما قاله في رده ليس بشيء، أما الأول فلأن لزوم دخول الأداة على البدل فيما إذا كان الاستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كام هنا فليس ذلك بلازم، وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله:
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا   وإلا فكن في السر والجهر مسلماً
وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات.

وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو { قُلْ } لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر، وجوز أن لا يكون { أَرَءيْتُمْ } بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الاستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجيز للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تعلمونها عاجرة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها، وما تقدم أظهر.

السابقالتالي
2