الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } افتعال من الصراخ وهو شدة الصياح والأصل يصترخون فأبدلت التاء طاء ويستعمل كثيراً في الاستغاثة لأن المستغيث يصيح غالباً، وبه فسره هنا قتادة فقال: يستغيثون فيها، واسغاثتهم بالله عز وجل بدليل ما بعده وقيل ببعضهم لحيرتهم وليس بذاك.

{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو يقولون بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال من ضميرهم، وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه فهو وصف مؤكد ولأنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فكأنهم قالوا: نعمل صالحاً غير الذي كنا نحسبه صالحاً فنعمله فالوصف مقيد. وذكر أبو البقاء أَنَّ { صَـٰلِحاً } و { غَيْرُ ٱلَّذِى } يجوز أن يكونا صفتين لمصدر محذوف أو لمفعول محذوف وأن يكون { صَـٰلِحاً } نعتاً لمصدر و { غَيْرَ ٱلَّذِى } مفعول { نَعْمَلْ } وأياً ما كان فالمراد أخرجنا من النار وردنا إلى الدنيا نعمل / صالحاً وكأنهم أرادوا بالعمل الصالح التوحيد وامتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام والانقياد له، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: { نَعْمَلْ صَـٰلِحاً } نقل لا إله إلا الله.

{ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم في الآخرة حين يقولون { رَبَّنَا } الخ فهو بتقدير فنقول لهم أو فيقال لهم { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ } الخ، وفي بعض الآثار أنهم يجابون بذلك بعد مقدار الدنيا، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام و(ما) موصولة أو موصوفة أي ألم نمهلكم ونعمركم الذي أي العمر الذي أو عمراً يتذكر فيه من تذكر أي يتمكن فيه من أراد التذكر وتحققت منه تلك الإرادة من التذكر والتفكر. وقال أبو حيان: (ما) مصدرية ظرفية أي ألم نعمركم في مدة تذكر، وتعقب بأن ضمير { فِيهِ } يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على نظر الأخفش فإنه يرى اسميتها وهو ضعيف، ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من { نعمر } وفيه بعد. وجعل (ما) نافية لا يصح كما قال ابن الحاجب لفظاً ومعنى.

وهذا العمر على ما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه وأخرجه جماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس ستون سنة، وقد أخرج الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعذر الله تعالى إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة وقيل: هو خمسون سنة " وفي رواية عن ابن عباس أنه ست وأربعون سنة، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن أنه أربعون سنة، وفي رواية أخرى عنه أنه سن البلوغ، وقيل: سبع عشرة سنة، وعن قتادة ثمان عشرة سنة، وعن عمر بن عبد العزيز عشرون سنة، وعن مجاهد ما بين العشرين إلى الستين.

السابقالتالي
2