الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }

{ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ } مبتدأ خبره قوله تعالى: { يَدْخُلُونَهَا } ويؤيده قراءة الجحدري وهارون عن عاصم { جَنَّـٰتُ } بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها واحتمال جره بدلاً من { الخيرات } [فاطر: 32] بعيد وفيه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبـي فلا يلتفت إليه. وضمير الجمع للذين اصطفينا أو للثلاثة. وقال الزمخشري: (( { ذلك } إشارة إلى السبق بالخيرات { وَجَنَّـٰتُ عَدْنٍ } بدل من (الفضل) الذي هو السبق ولما كان السبق بالخيرات سبباً لنيل الثواب جعل نفس الثواب إقامة للسبب مقام المسبب ثم أبدل منه)) وضمير الجمع للسابق لأن القصد إلى الجنس، فخص الوعد بالقسم الأخير مراعاة لمذهب الاعتزال وهو على ما سمعت للأقسام الثلاثة وذلك هو الأظهر في النظم الجليل ليطابقه قوله تعالى بعد:وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } [فاطر: 36] وليناسب حديث التعظيم والاختصاص المدمج في قوله سبحانه:ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } [فاطر: 32] وإلا فأي تعظيم في ذلك بعد أن لز أكثر المصطفين في قرن الكافرين وليناسب ذكر الغفور بعد حال الظالم والمقتصد والشكور حال السابق ولتعسف ما ذكره من الإعراب وبعده عن الذوق وكيف لا يكون الأظهر وقد فسره كذلك أفضل الرسل ومن أنزل عليه هذا الكتاب المبين على ما مر آنفاً وإليه ذهب الكثير من أصحابه الفخام ونجوم الهداية بين الأنام رضي الله تعالى عنهم وعد منهم في «البحر» عمر وعثمان وابن مسعود وأبا الدرداء وأبا سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وقد أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في «البعث» عن البراء بن عازب أنه قال بعد أن قرأ الآية: أشهد على الله تعالى أنه يدخلهم الجنة جميعاً، وأخرج غير واحد عن كعب أنه قرأ الآية إلى { لُغُوبٌ } [فاطر: 35] فقال دخلوها ورب الكعبة، وفي لفظ «كلهم في الجنة» ألا ترى على أثرهوَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جهنم } [فاطر: 36] نعم إن أريد بالظالم لنفسه الكافر يتعذر رجوع الضمير إلى ما ذكر ويتعين رجوعه إلى السابق وإليه وإلى المقتصد لأن المراد بهما الجنس لكن لا ينبغي أن يراد بعد هاتيك الأخبار.

وقرأ زر بن حبيش والزهري { جنة عدن } بالإفراد والرفع وقرأ أبو عمرو { يُدخَلونها } بالبناء للمفعول ورويت عن ابن كثير.

وقوله تعالى: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } خبر ثان لجنات أو حال مقدرة، وقيل: إنها لقرب الوقوع بعد الدخول تعد مقارنة وقرىء { يحلون } بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام من حليت المرأة فهي حالية إذ لبست الحلي ويقال جيد حال إذا كان عليه الحلي { مِنْ أَسَاوِرَ } جمع سوار على ما في «الإرشاد»، وفي «القاموس» السوار ككِتاب وغُراب القلب كالأُسْوار بالضم جمعه أَسْوِرة وأُسَاور وأساورة وسُور وسؤور اهـ، وإطلاق الجمع على جمع الجمع كثير فلا مخالفة، وسوار المرأة معرب كما قال الراغب وأصله دستواره، و(من) للتبعيض أي يحلون بعض أساور كأنه بعض له امتياز وتفوق على سائر الأبعاض، وجوز أن تكون للبيان لما أن ذكر التحلية مما ينبىء عن الحلي المبهم، وقيل: زائدة بناء على ما يرى الأخفش من جواز زيادتها في الإثبات، وقيل: نعت لمفعول محذوف ليحلون وأنه بمعنى يلبسون.

السابقالتالي
2