الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن كما عليه الجمهور، والعطف قيل علىٱلَّذِى أَوْحَيْنَا } [فاطر: 31] وقيل على { أَوْحَيْنَا } بإقامة الظاهر مقام الضمير العائد على الموصول، واستظهر ذلك بالقرب وتوافق الجملتين أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس وخصهم بالانتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم عليهم الصلاة والسلام، و { ثُمَّ } للتراخي الرتبـي فإن إيحاء الكتاب إليه صلى الله عليه وسلم أشرف من الإيراث المذكور كأنه كالعلة له وبه تحققت نبوته عليه الصلاة والسلام التي هي منبع كل خير وليست للتراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة والسلام هو زمان إيراثه، وإعطائه أمته بمعنى تخصيصه بهم وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون وبالعمل بما فيه ينتفعون، وإذا أريد بإيراثه إياهم إيراثه منه صلى الله عليه وسلم وجعلهم منتفعين به فاهمين ما فيه بالذات كالعلماء أو بالواسطة كغيرهم بعده عليه الصلاة والسلام فهي للتراخي الزماني، والتعبير عن ذلك بالماضي لتحققه، وجوز أن يكون معنى { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } حكمنا بإيراثه وقدرناه على أنه مجاز من إطلاق السبب على المسبب فتكون ثم للتراخي الرتبـي وإلا فزمان الحكم سابق على زمان الإيحاء. ووجه التعبير بالماضي عليه ظاهر.

وفي «شرح الرضي» أن ثم قد تجىء في عطف الجمل خاصة لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها وعدم مناسبته له كما في قوله تعالى:ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ } [هود: 3] فإن بين توبة العباد وهي انقطاع العبد إليه تعالى بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيداً وهذا المعنى فرع التراخي ومجازه اهـ.

وابن الشيخ جعل ما هنا كما في هذه الآية، وجوز أن يكون { ثُمَّ أَوْرَثْنَا } الخ متصلاً بما سبق من قوله تعالى:إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] والمراد ثم أورثنا الكتاب من الأمم السالفة وأعطيناه بعدهم الذين اصطفيناهم من الأمة المحمدية، والكتاب القرآن كما قيلوَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } [الشعراء: 196] وقيل لا يحتاج إلى اعتبار ذلك ويجعل المعنى ثم أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة.

ووجه النظم أنه تعالى قدم إرساله في كل أمة رسولاً وعقبه بما ينبـىء أن تلك الأمم تفرقت حزبين حزب كذبوا الرسل وما أنزل معهم وهم المشار إليهم بقوله تعالى:فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُنِيرِ } [فاطر: 25] وحزب صدقوهم وتلوا كتاب الله تعالى وعملوا بمقتضاه وهم المشار إليهم بقوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4 5 6