الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } أي ما يطلقها ويرسلها فالفتح مجاز عن الإرسال بعلاقة السببية فإن فتح المغلق سبب لإطلاق ما فيه وإرساله ولذا قوبل بالإمساك، والإطلاق كناية عن الإعطاء كما قيل أطلق السلطان للجند أرزاقهم فهو كناية متفرعة على المجاز. وفي اختيار لفظ الفتح رمز إلى أن الرحمة من أنفس الخزائن وأعزها منالاً، وتنكيرها للإشاعة والإبهام أي: أي شيء يفتح الله تعالى من خزائن رحمته أي رحمة كانت من نعمة وصحة وأمن وعلم وحكمة إلى غير ذلك مما / لا يحاط به حتى أن عروة كان يقول كما أخرج ابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير عنه في ركوب المحمل هي والله رحمة فتحت للناس ثم يقول: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } الخ. وأخرج ابن أبـي حاتم عن السدي الرحمة المطر، وعن ابن عباس التوبة، والمراد التمثيل، والجار والمجرور في موضع الحال لا في موضع الصفة لأن اسم الشرط لا يوصف.

{ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } أي فلا أحد يقدر على إمساكها { وَمَا يُمْسِكْ } أي أي شيء يمسك { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } أي فلا أحد يقدر على إرساله، واختلاف الضميرين لما أن مرجع الأول مبين بالرحمة ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها، وفي ذلك مع تقديم أمر فتح الرحمة إشعار بأن رحمته تعالى سبقت غضبه عز وجل كما ورد في الحديث الصحيح، وقيل المراد وما يمسك من رحمة إلا أنه حذف المبين لدلالة ما قبل عليه، والتذكير باعتبار اللفظ وعدم ما يقوى اعتبار المعنى في التلفظ. وأيد بأنه قرىء { فَلاَ مُرْسِلَ لَهَا } بتأنيث الضمير { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد إمساكه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك { ٱلْحَكِيمُ } الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، والجملة تذييل مقرر لما قبلها ومعرب عن كون كل من الفتح والإمساك بموجب الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين.

وما أدعى هذه الآية إلى الانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عما سواه عز وجل وإراحة البال عن التخيلات الموجبة للتهويش وسهر الليال. وقد أخرج ابن المنذر عن عامر بن عبد قيس: قال أربع آيات من كتاب الله تعالى إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبع عليه وأمسيمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2]وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } [يونس: 107]سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } [الطلاق: 7]وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6]. وبعدما بين سبحانه أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس قاطبة أو أهل مكة كما روي عن ابن عباس واختاره الطيبـي بشكر نعمه عز وجل فقال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ... }.