الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ } المتبادر أن { كَافَّةً } حال من (الناس) قدم مع (إلا) عليه للاهتمام / كما قال ابن عطية، وأصله من الكف بمعنى المنع وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج واشتهر في ذلك حتى قطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فمعنى جاء الناس كافة جاؤوا جميعاً، ويشير إلى هذا الإعراب ما أخرج ابن أبـي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية: أي إلى الناس جميعاً، وما أخرج ابن أبـي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال: أي للناس كافة، وكذا ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبـي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: أرسل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم فاكرمهم على الله تعالى أطوعهم له، وما نقل عن ابن عباس أنه قال: أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وهو مبني على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو الذي ذهب إليه خلافاً لكثير من النحاة أبو علي وابن كيسان وابن برهان والرضى وابن مالك حيث قال:
وسبق حال ما بحرف جرقد   أبوا ولا أمنعه فقد ورد
وأبو حيان حيث قال بعد أن نقل الجواز عمن عدا الرضي من المذكورين: وهو الصحيح ومن أمثلة أبـي على زيد خير ما يكون خير منك، وقال الشاعر:
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا   فمطلبها كهلاً عليه شديد
وقال آخر:
تسليت طرا عنكم بعد بينكم   بذكراكم حتى كأنكم عندي
وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به، ومن ذلك قوله:
مشغوفة بك قد شغفت وإنما   حتم الفراق فما إليك سبيل
وقول آخر:
غافلاً تعرض المنية للمر   ء فيدعى ولات حين إباء
وإذا جاز تقديمها على المجرور والعامل فتقديمها عليه دون العامل أجوز انتهى، وجعلوا هذا الوجه أحسن الأوجه في الآية وقالوا: إن ما عداه تكلف، واعترض بأنه يلزم عليه عمل ما قبل (إلا) وهو ـ أرسل ـ فيما بعدها وهو { لِلنَّاسِ } وليس بمستثنى ولا مستثنى منه ولا تابعاً له وقد منعوه، وأجيب بأن التقدير وما أرسلناك للناس إلا كافة فهو مقدم رتبة ومثله كاف في صحة العمل مع أنهم يتوسعون في الظرف ما لا يتوسعون في غيره.

وقال الخفاجي عليه الرحمة: الأحسن أن يجعل { لِلنَّاسِ } مستثنى على أن الاستثناء فيه مفرغ وأصله ما أرسلناك لشيء من الأشياء إلا لتبليغ الناس كافة، وأما تقديره بما أرسلناك للخالق مطلقاً إلا للناس كافة على أنه مستثنى فركيك جداً اهـ، ولا يخفى أن في الآية على ما استحسنه حذف المضاف والفصل بين أداة الاستثناء والمستثنى وتقديم الحال على صاحبها والكل خلاف الأصل وقلما يجتمع مثل ذلك في الكلام الفصيح.

السابقالتالي
2 3