الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ } قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي «مجمع البيان» أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي «البحر» أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأياً ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، و(لما) شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ } واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر؛ وضمير { دَلَّهُمْ } عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد: { تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ }.

والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي «حياة الحيوان» عن ابن السكيت أنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في «البحر» بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة { دَابَّةٍ } إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل { ٱلأَرض } بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلاً فأكلت أكلاً، فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل. وقد يفسر الأول بالتأثر الذي هو الحاصل بالمصدر لتتوافق القراءتان، وقيل الأرض بالفتح جمع أرضة وإضافة { دَابَّةٍ } إليه من إِضافة العام إلى الخاص، وقيل: إن الأرض بالسكون بمعناها المعروف وإضافة { دَابَّةٍ } إليها قيل لأن فعلها في الأكثر فيها، وقيل لأنها تؤثر في الخشب ونحوه كما تؤثر الأرض فيه إذا دفن فيها وقيل غير ذلك والأولى التفسير الأول وإن لم تجىء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع.

وقوله تعالى: { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } في موضع الحال من { دَابَّةٍ } أي آكلة منسأته والمنسأة العصا من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسىء، ويظهر من هذا أنها العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وأضرابه.

وقرأ نافع (وابن عامر) وجماعة { منساته } بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفاً بدلاً غير قياسي. وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقاً فإن كانت مما لا تهمز فقد احتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، ولعله بيان لوجه اختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4 5