الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ } أي حملها الإنسان ليعذب الله تعالى بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على أن اللام للعاقبة فإن التعذيب وإن لم يكن غرضاً [له] من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض أفراده ترتب الأغراض على الأفعال المعللة بها أبرز في معرض الغرض أي كان عاقبة حمل الإنسان لها أن يعذب الله تعالى هؤلاء من أفراده لخيانتهم الأمانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية، وإلى الفريق الثاني أشير بقوله سبحانه: { وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله تعالى على هؤلاء من أفراده أي يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة / وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلو عنها الإنسان بحكم جبلته وتداركهم لها بالتوبة والإنابة والالتفات إلى الاسم الجليل أولاً لتهويل الخطاب وتربية المهابة، والإظهار في موضع الإضمار ثانياً لإبراز مزيد الاعتناء بأمر المؤمنين توفية لكل من مقامي الوعيد والوعد حقه كذا قال بعض الأجلة في تفسير الآية.

ووراء ذلك أقوال فقيل الأمانة الطاعة لأنها لازمة الوجود كما أن الأمانة لازمة الأداء والكلام تقرير الوعد الكريم الذي ينبىء عنه قوله تعالى:وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب: 71] بجعل تعظيم شأن الطاعة ذريعة إلى ذلك بأن من قام بحقوق مثل هذا الأمر العظيم الشأن وراعاه فهو جدير بأن يفوز بخير الدارين. وتعقب بأن جعل الأمانة التي شأنها أن تكون من جهته تعالى عبارة عن الطاعة التي هي من أفعال المكلفين التابعة للتكليف بمعزل عن التقريب وإن حمل الكلام على التقرير بالوجه الذي قرر يأباه وصف الإنسان بالظلم والجهل أولاً وتعليل الحمل بتعذيب فريق والتوبة على فريق ثانياً، وقد يقال: مراد ذلك القائل أن الأمانة هي الطاعة من حيث أمره عز وجل بها وأن قوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ } الخ على معنى أنه كان كذلك إن لم يراع حقها فتأمل.

وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أن الأمانة الفرائض وروي نحوه عن سعيد بن جبير، وهو غير ما ذكر أولاً بناء على أن التكليفات الشرعية مراد بها المعنى المصدري دون اسم المفعول، وقيل: الصلاة فقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذا دخل وقت الصلاة اصفر وجهه الشريف وتغير لونه فسئل عن ذلك فقال: إنه دخل عليَّ وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وقد حملتها أنا مع ضعفي فلا أدري كيف أؤديها.

وحكى السفيري أنها الغسل من الجنابة، وقيل: الصلاة والصيام والغسل من الجنابة فقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8