الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

{ ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أحق وأقرب إليهم { مّنْ أَنفُسِهِمْ } أو أشد ولاية ونصرة لهم منها فإنه عليه الصلاة والسلام لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فإنها إما أمارة بالسوء وحالها ظاهر أو لا فقد تجهل بعض المصالح وتخفى عليها بعض المنافع وأطلقت الأولوية ليفيد الكلام أولويته عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور ويعلم من كونه صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من كل من الناس، وقد أخرج البخاري وغيره عن أبـي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم النبـي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه " ولا يلزم عليه كون الأنفس هنا مثلها في قوله تعالى:وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29] لأن إفادة الآية المدعى على الظاهر ظاهرة أيضاً، وإذا كان صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة في حق المؤمنين يجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه عليه الصلاة والسلام عليهم أنفذ من حكمها وحقه آثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها.

وسبب نزول الآية على ما قيل ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال أناس منهم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت، ووجه دلالتها على السبب أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان أولى من أنفسهم فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى ولا حاجة إلى حمل { أنفسهم } عليه على خلاف المعنى المتبادر كما أشرنا إليه آنفاً.

{ وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ } أي منزلات منزلة أمهاتهم في تحريم النكاح واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن كالأجنبيات، وفرع على هذ القسطلاني في «المواهب» أنه لا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين في الأصح، والطبرسي وهو شيعي أنه لا يقال لإخوانهن أخوال المؤمنين، ولا يخفى أنه يسر حسوا بارتغاء، وفي «المواهب» أن في جواز النظر إليهن وجهين أشهرهما المنع، ولكون وجه الشبه مجموع ما ذكر قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لامرأة قالت لها يا أمه: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم أخرجه ابن سعد وابن المنذر والبيهقي في «سننه» عنها، ولا ينافي هذا استحقاق التعظيم منهن أيضاً. وأخرج ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أنا أم الرجال منكم والنساء وعليه يكون ما ذكر وجه الشبه بالنسبة إلى الرجال وأما بالنسبة إلى النساء فهو استحقاق التعظيم.

السابقالتالي
2 3 4