الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ } كالتعليل لما أفاده الكلام السابق من التشريف العظيم الذي لم يعهد له نظير، والتعبير بالجملة الاسمية للدلالة على الدوام والاستمرار، وذكر أن الجملة تفيد الدوام نظراً إلى صدرها من حيث أنها جملة اسمية وتفيد التجدد نظراً إلى عجزها من حيث أنها جملة فعلية فيكون مفادها استمرار الصلاة وتجددها وقتاً فوقتاً، وتأكيدها بأن للاعتناء بشأن الخبر، وقيل لوقوعها في جواب سؤال مقدر هو ما سبب هذا التشريف العظيم؟

وعبر بالنبـي دون اسمه صلى الله عليه وسلم على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه عليهم السلام إشعاراً بما اختص به صلى الله عليه وسلم من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر، وأكد ذلك الإشعار بأل التي للغلبة إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم المعروف / الحقيق بهذا الوصف، وقال بعض الأجلة إن ذاك للإشعار بعلة الحكم، ولم يعبر بالرسول بدله ليوافق ما قبله من قوله تعالى:وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 53] لأن الرسالة أفضل من النبوة على الصحيح الذي عليه الجمهور خلافاً للعز بن عبد السلام فتعليق الحكم بها لا يفيد قوة استحقاقه عليه الصلاة والسلام للصلاة بخلاف تعليقه بما هو دونها مع وجودها فيه وهو معنى دقيق فلا تسارع إلى الاعتراض عليه.

وإضافة الملائكة للاستغراق. وقيل: { ملائكته } ولم يقل الملائكة إشارة إلى عظم قدرهم ومزيد شرفهم بإضافتهم إلى الله تعالى وذلك مستلزم لتعظيمه صلى الله عليه وسلم بما يصل إليه منهم من حيث أن العظيم لا يصدر منه إلا عظيم، ثم فيه التنبيه على كثرتهم وأن الصلاة من هذا الجمع الكثير الذي لا يحيط بمنتهاه غير خالقه واصلة إليه صلى الله عليه وسلم على ممر الأيام والدهور مع تجددها كل وقت وحين، وهذا أبلغ تعظيم وأنهاه وأشمله وأكمله وأزكاه.

واختلفوا في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه صلى الله عليه وسلم على أقوال فقيل: هي منه عز وجل ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه، ورواه البخاري عن أبـي العالية وغيره عن الربيع بن أنس وجرى عليه الحليمي في «شعب الايمان»، وتعظيمه تعالى إياه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء العمل بشريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود، وتفسيرها بذلك لا ينافي عطف غيره كالآل والأصحاب عليه لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به، وهي من الملائكة الدعاء له عليه الصلاة والسلام على ما رواه عبد بن حميد وابن أبـي حاتم عن أبـي العالية، وقيل: هي منه تعالى رحمته عز وجل، ونقله الترمذي عن الثوري، وغير واحد من أهل العلم ونقل عن أبـي العالية أيضاً، وعن الضحاك، وجرى عليه المبرد وابن الأعرابـي والإمام المارودي وقال: إن ذلك أظهر الوجوه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد