الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ }

{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ } أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في «المختارة» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قام النبـي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فنزلت، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا: إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلباً معكم وقلباً مع أصحابه فنزلت، وقال مقاتل في «تفسيره» وإسماعيل بن أبـي زياد الشامي وغيرهما: نزلت في أبـي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون: له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة، وأبو معمر هذا أشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في «الإصابة» جميل بن أسيد مصغر الأسد، وقيل: ابن أسد مكبراً وسماه ابن دريد عبد الله بن وهب، وقيل: إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح الجمحي وهو المعني بقوله: وكيف ثوائى البيت وقد تقدم في تفسير سورة لقمان، والمعول على ما في «الإصابة»، وحكي أنه كان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما / أكثر مما يفهم محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنه انهزم يوم بدر فمر بأبـي سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له أبو سفيان: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله وقولهم. وعن الحسن أنه كان جماعة يقول الواحد منهم: نفس تأمرني ونفس تنهاني فنزلت.

والجعل بمعنى الخلق و(من) سيف خطيب، والمراد ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقاً قلبين فخصوص الرجل ليس بمقصود وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث، وأما الصبيان فمآلهم إلى الرجولية، وقوله سبحانه: { فِى جَوْفِهِ } للتأكيد والتصوير كالقلوب في قوله تعالى:وَلَـٰكِنِ تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46] وذكر في بيان عدم جعله تعالى قلبين في جوف بناء على ما هو الظاهر من أن المراد بالقلب المضغة الصنوبرية أن النفس الناطقة وكذا الحيوانية لا بد لها من متعلق ومتعلقها هو الروح وهو جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية لأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد مما لا يلي جهة الدماغ والشد لا يمنع إلا نفوذ الأجسام، والتجارب الطبية أيضاً شاهدة بذلك، وحيث إن النفس واحدة فلا بد من عضو واحد يكون تعلقها به أولاً ثم بسائر الأعضاء بواسطته.

السابقالتالي
2 3 4