الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

{ وَإِذْ تَقُولُ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم أي اذكر وقت قولك { لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بتوفيقه للإسلام وتوفيقك لحسن تربيته وعتقه ومراعاته وتخصيصه بالنبـي ومزيد القرب { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالعمل بما وفقك الله تعالى له من فنون الإحسان التي من جملتها تحريره وهو زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه، وإيراده بالعنوان المذكور كما قال شيخ الإسلام: «لبيان منافاة حاله لما / صدر عنه عليه الصلاة والسلام من إظهار خلاف ما في ضميره الشريف إذ هو إنما يقع عند الاستحياء أو الاحتشام وكلاهما مما لا يتصور في حق زيد رضي الله تعالى عنه» وجوز أن يكون بياناً لحكمة إخفائه صلى الله عليه وسلم ما أخفاه لأن مثل ذلك مع مثله مما يطعن به الناس كما قيل:
وأظلم خلق الله من بات حاسداً   لمن كان في نعمائه يتقلب
{ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي زينب بنت جحش وذلك أنها كانت ذا حدة ولا زالت تفخر على زيد بشرفها ويسمع منها ما يكره فجاء رضي الله تعالى عنه يوماً إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن زينب قد اشتد عليَّ لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له عليه الصلاة والسلام: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } في أمرها ولا تطلقها ضراراً وتعللا بتكبرها واشتداد لسانها عليك، وتعدية { أَمْسِكْ } بعلى لتضمينه معنى الحبس. { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } عطف على { تَقُولَ } وجوزت الحالية بتقدير وأنت تخفى أو بدونه كما هو ظاهر كلام الزمخشري في مواضع من «كشافه»، والمراد بالموصول على ما أخرج الحكيم الترمذي وغيره عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ما أوحى الله تعالى به إليه أن زينب سيطلقها زيد ويتزوجها بعد عليه الصلاة والسلام وإلى هذا ذهب أهل التحقيق من المفسرين كالزهري وبكر بن العلاء والقشيري والقاضي أبـي بكر بن العربـي وغيرهم.

{ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } تخاف من اعتراضهم وقيل: أي تستحي من قولهم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، والمراد بالناس الجنس والمنافقون وهذا عطف على ما تقدم أو حال. وقوله: { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَٰهُ } في موضع الحال لا غير، والمعنى والله تعالى وحده أحق أن تخشاه في كل أمر فتفعل ما أباحه سبحانه لك وأذن لك فيه، والعتاب عند من سمعت على قوله عليه الصلاة والسلام ذلك مع { أَمْسِكْ } مع علمه بأنه سيطلقها ويتزوجها هو صلى الله عليه وسلم بعده وهو عتاب على ترك الأولى. وكان الأولى في مثل ذلك أن يصمت عليه الصلاة والسلام أو يفوض الأمر إلى رأي زيد رضي الله تعالى عنه.

السابقالتالي
2 3 4