الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

{ وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } من قر يقر من باب علم أصله اقررن فحذفت الراء الأولى وألقيت فتحتها على ما قبلها وحذفت الهمزة للاستغناء عنها بتحرك القاف. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب «التبيان» وجهاً آخر قال: قار يقار إذا اجتمع ومنه القارة لاجتماعها، ألا ترى إلى قول عضل والديش: اجتمعوا فكونوا قارة فالمعنى وأجمعن أنفسكن في البيوت.

وقرأ الأكثر { وَقَرْنَ } بكسر القاف من وقر يقر وقاراً إذا سكن وثبت، وأصله أو قرن ففعل به ما فعل بعدن من وعد أو من قر يقر المضاعف من باب ضرب وأصله اقررن حذفت الراء الأولى وألقيت كسرتها إلى القاف وحذفت الهمزة للاستغناء عنها. وقال مكي وأبو علي: أبدلت الراء التي هي عين الفعل ياء كراهة التضعيف ثم نقلت حركتها إلى القاف ثم حذفت لسكونها وسكون الراء بعدها وسقطت الهمزة لتحرك القاف. وهذا غاية في التمحل، وفي «البحر» أن قررت وقررت بالفتح والكسر كلاهما من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه وقد حكى ذلك أبو عبيدة والزجاج وغيرهما، وأنكر قوم منهم المازني مجيء قررت في المكان بالكسر أقر بالفتح وإنما جاء قررت عينه تقر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع والمثبت مقدم على النافي. وقرأ ابن أبـي عبلة { واقررن } بألف الوصل وكسر الراء الأولى.

والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من سائر النساء. أخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها " وأخرج البزار عن أنس قال جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى فقال عليه الصلاة والسلام: " من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى " وقد يحرم عليهن الخروج بل قد يكون كبيرة كخروجهن لزيارة القبور إذا عظمت مفسدته وخروجهن ولو إلى المسجد وقد استعطرن وتزين إذا تحققت الفتنة أما إذا ظنت فهو حرام غير كبيرة، وما يجوز من الخروج كالخروج للحج وزيادة الوالدين وعيادة المرضى، وتعزية الأموات من الأقارب ونحو ذلك، فإنما يجوز بشروط مذكورة في محلها.

وظاهر إضافة البيوت إلى ضمير النساء المطهرات أنها كانت ملكهن وقد صرح بذلك الحافظ غلام محمد الأسلمي نور الله تعالى ضريحه في «التحفة الإثني عشرية»، وذكر فيها أن عليه الصلاة والسلام بنى كل حجرة لمن سكن / فيها من الأزواج وكانت كل واحد منهن تتصرف بالحجرة الساكنة هي فيها تصرف المال في ملكه بحضوره صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الفقهاء أن من بنى بيتاً لزوجته وأقبضه إياها كان كمن وهب زوجته بيتاً وسلمه إليها، فيكون البيت ملكاً لها ويشهد لدعوى أن الحجرة التي كانت تسكنها عائشة رضي الله تعالى عنها كانت ملكاً لها غير الإضافة في { بُيُوتِكُـنَّ } الداخل فيه حجرتها استئذان عمر رضي الله تعالى عنه لدفنه فيها منها بمحضر من الصحابة، وعدم إنكار أحد منهم حتى علي كرم الله تعالى وجهه، واستئذان الحسن رضي الله تعالى عنه منها لذلك أيضاً الثابت عند أهل السنة والشيعة، كما ذكر في «الفصول المهمة في معرفة الأئمة» وغيره من كتبهم فإن تلك الحجرة لو كانت لبيت المال لحديث

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد