الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }

{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } الخ لأن سبب النزول ما سمعت. وقال الإمام: إن التقديم إشارة إلى أن النبـي صلى الله عليه وسلم غير ملتفت إلى الدنيا ولذاتها غاية الالتفات، وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضاً، ومعنى { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } إن كنتن تردن رسول الله وإنما ذكر الله عز وجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى. { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ } أي هيأ ويسر { لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ } بمقابلة إحسانهن { أَجْراً } لا تحصى كثرته { عَظِيماً } لا تستقصى عظمته، و { من } للتبيين لأن كلهن كن محسنات. وقيل: ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد، وجواب { إِن } في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل الماضي فيه بمعنى المضارع الدال على الاستقبال والتعبير به دونه لتحقق الوقوع، وقيل: الجواب محذوف نحو تثبن أو تنلن خيراً وما ذكر دليله، وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى / التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه، قيل: وهو السر في تقديم التمتيع على التسريح ووصف التسريح بالجميل.

هذا واختلف فيما وقع من التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أو لا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم على ما في «إرشاد العقل السليم» وهو الظاهر إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييراً لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن النبـي صلى الله عليه وسلم كما ينبـىء عنه قوله تعالى:فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ } [الأحزاب: 28] وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضاً للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقاً، وكذا اختلف في حكم التخيير بأن يقول الرجل لزوجته اختاري فتقول اخترت نفسي أو اختاري نفسك فتقول اخترت فعن زيد بن ثابت أنه يقع الطلاق الثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل من الزوج دعوى الواحدة، وعن عمر وابن عباس وابن مسعود أنه يقع واحدة رجعية وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبـي ليلى وسفيان، وبه أخذ الشافعي وأحمد. وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه يقع واحدة بائنة، وروى ذلك الترمذي عن ابن مسعود، وأيضاً عن عمر رضي الله تعالى عنهما، وبذلك أخذ أبو حنيفة عليه الرحمة، فإن اختارت زوجها فعن زيد بن ثابت أنه تقع طلقة واحدة وعن علي كرم الله تعالى وجهه روايتان إحداهما أنه تقع واحدة رجعية والأخرى أنه لا يقع شيء أصلاً وعليه فقهاء الأمصار.

السابقالتالي
2