الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً }

{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم } أي عاونوا الأحزاب المردودة { مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } وهم بنو قريظة عند الجمهور، وعن الحسن أنهم بنو النضير وعلى الأول المعول { مِن صَيَاصِيهِمْ } أي من حصونهم جمع صيصية وهي كل ما يمتنع به ويقال لقرن الثور والظباء ولشوكة الديك التي في رجله كالقرن الصغير، وتطلق الصياصي على الشوك الذي للنساجين ويتخذ من حديد قاله أبو عبيدة وأنشد لدريد بن الصمة الجشمي:
نظرت إليه والرماح تنوشه   كوقع الصياصي في النسيج الممدد
وتطلق على الأصول أيضاً قال أبو عبيدة إن العرب تقول: جذ الله تعالى صئصئة أي أصله.

{ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي الخوف الشديد بحيث أسلموا أنفسهم للقتل وأهليهم وأولادهم للأسر حسبما ينطق به قوله تعالى: { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } أي من غير أن يكون من جهتهم حراك فضلاً عن المخالفة والاستعصاء. وفي «البحر» أن قدف الرعب سبب لإنزالهم ولكن قدم المسبب لما أن السرور بإنزالهم أكثر والإخبار به أهم، وقدم مفعول { تَقْتُلُونَ } لأن القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين وكان الاعتناء بحالهم أهم ولم يكن في المأسورين هذا الاعتناء بل الاعتناء هناك بالأسر أشد، ولو قيل: وفريقاً تأسرون لربما ظن قبل سماع تأسرون أنه يقال بعد تهزمون أو نحو ذلك، وقيل: قدم المفعول في الجملة الأولى لأن مساق الكلام / لتفصيله وأخر في الثانية لمراعاة الفواصل، وقيل التقديم لذلك وأما التأخير فلئلا يفصل بين القتل وأخيه وهو الأسر فاصل، وقيل: غوير بين الجملتين في النظم لتغاير حال الفريقين في الواقع فقد قدم أحدهما فقتل وأخر الآخر فأسر. وقرأ ابن عامر والكسائي { ٱلرعب } بضم العين وقرأ أبو حيوة { تأسرون } بضم السين، وقرأ اليماني { يأسرون } بياء الغيبة وقرأ ابن أنس عن ابن ذكوان بها فيه وفي (يقتلون) ولا يظهر لي وجه وجيه لتخصيص الاسم بصيغة الغيبة فتأمل.

وتفصيل القصة على سبيل الاختصار أنه لما كانت صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب أو ظهر يوم تلك الليلة على ما في بعض الروايات وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى داخل المدينة أتى جبريل عليه السلام معتجراً بعمامة إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند زينب بنت جحش تغسل رأسه الشريف وقد غسلت شقه فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم، فقال: عفا الله تعالى عنك ما وضعت الملائكة عليهم السلام السلاح بعد وما رجعت إلا الآن من طلب القوم وإن الله تعالى يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم فأمر عليه الصلاة والسلام مؤذناً فاذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وقدم علي بن طالب كرم الله تعالى وجهه برايته إليهم وابتدرها الناس فسار كرم الله تعالى وجهه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقيه عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث قال: لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى قال: نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله تعالى وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً وفي رواية فحاشاً وكان عليه الصلاة والسلام قد مر بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إليهم فقال: هل مر بكم أحد قالوا: يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبـي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم ولما أتاهم صلى الله عليه وسلم نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم يقال لها بئر أنا وتلاحق الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة» وقد شغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم فلما أتوا صلوها بعد العشاء فما عابهم الله تعالى بذلك في كتابه ولا عنفهم رسوله عليه الصلاة والسلام.

السابقالتالي
2 3 4 5