الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً }

{ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المؤمنين بالإخلاص مطلقاً لا الذين حكيت محاسنهم خاصة { رِجَالٌ } أي رجال { صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة للأعداء، وقيل: من الطاعات مطلقاً ويدخل في ذلك ما ذكر دخولاً أولياً، وسبب النزول ظاهر في الأول. أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وجماعة عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله تعالى ما أصنع فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال: يا أبا عمرو أين؟ قال: واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية: { مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } وكانوا يرون أنها نزلت فيه وأصحابه. وفي «الكشاف» نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا أي نذروا الثبات التام والقتال الذي يفضي بحسب العادة إلى نيل الشهادة وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب بن عمير وغيرهم، وعن الكلبـي ومقاتل أن هؤلاء الرجال هم أهل العقبة السبعون أهل البيعة، وقال يزيد بن رومان: هم بنو حارثة والمعول عليه عندي ما قدمته، ومعنى { صَدَقُواْ } أتوا بالصدق من صدقني إذا قال [لك] الصدق، ومحل { مَا عَـٰهَدُواْ } النصب إما على نزع الخافض وهو (في) وإيصال الفعل إليه كما في قولهم صدقني سن بكرة على رواية النصب أي في سن بكره والمفعول محذوف والأصل صدقوا الله فيما عاهدوه، وإما على أنه هو المفعول الصريح. وجعل ما عاهدوا عليه بمنزلة شخص معاهد على طريق الاستعارة المكنية وجعله مصدوقاً تخييل وعلى الإسناد المجازي.

{ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } تفصيل لحال الصادقين وتقسيم لهم إلى قسمين، والنحب على ما قال الراغب النذر المحكوم بوجوبه يقال: قضى فلان نحبه أي وفى بنذره. وقال أبو حيان: النذر الشيء الذي يلتزمه الإنسان ويعتقد الوفاء قال الشاعر:
عشية فر الحارثيون بعدما   قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
وقال جرير:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا   عشية بسطام جرين على نحب
أي على أمر عظيم التزم القيام به. وشاع قضى فلان نحبه بمعنى مات إما على أن النحب مستعار استعارة تصريحية للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل إنسان والقرينة حالية والقضاء ترشيح، وإما على أن قضاء النحب مستعار له.

السابقالتالي
2 3 4