الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الظاهر أن الخطاب للمؤمنين الخلص المخاطبين من قبل في قوله تعالى: { عَنْ أَنبَائِكُمْ } وقوله سبحانه:وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } [الأحزاب: 20]. والإسوة بكسر الهمزة كما قرأ الجمهور وبضمها كما قرأ عاصم: الخصلة، وقال الراغب: الحالة التي يكون عليها الإنسان وهي اسم { كان } و { لَكُمْ } الخبر و { فِى رَسُولِ ٱللَّهِ } متعلق بما تعلق به { لَكُمْ } أو في موضع من { إسوة } لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتاً لها أو متعلق بكان على مذهب من أجاز فيها ناقصة وفي أخواتها أن تعمل في الظرف، وجوز أن يكون { في رسول الله } الخبر و { لكم } تبيين أي أعني لكم أي والله لقد كان لكم في رسول الله خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد؛ ويجوز أن يراد بالأسوة القدوة بمعنى المقتدى على معنى هو صلى الله عليه وسلم في نفسه قدوة يحسن التأسي به، وفي الكلام صنعة التجريد وهو أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف نحو لقيت منه أسداً وهو كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله:
أراقت بنو مروان ظلماً دماءنا   وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
وكقوله: في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد.

والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم أنها من خصوصياته كنكاح ما فوق أربع نسوة؛ أخرج ابن ماجه وابن أبـي حاتم عن حفص بن عاصم قال: قلت لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ويقول الله تعالى: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وأخرج عبد الرزاق في «المصنف» عن قتادة قال: هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ينهى عن الحبرة فقال رجل: أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر: بلى قال الرجل: ألم يقل الله تعالى: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فترك ذلك عمر رضي الله تعالى عنه. وأخرج الشيخان والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن ابن عمر أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأ { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }.

السابقالتالي
2 3