الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } أي هم من الجزع والدهشة لمزيد جبنهم وخوفهم بحيث هزم الله تعالى الأحزاب فرحلوا وهم يظنون أنه لم يرحلوا، وقيل: المراد هؤلاء لجبنهم يحسبون الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا فانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة لذلك، وهذا إن صحت فيه رواية فذاك وإلا فالظاهر أنه مأخوذ من قوله تعالى:وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } [الأحزاب: 18] لدلالته ظاهراً على أنهم خارجون عن معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثون إخوانهم على اللحاق بهم، وكون المراد هلموا إلى رأينا أو إلى مكاننا الذي هو في طرف لا يصل إليه السهم خلاف الظاهر، وكذا من قوله سبحانه: { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } على ما هو الظاهر أيضاً إذ يبعد حمله على اتحاد المكان ولو في الخندق. { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } كرة ثانية { يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلأَعْرَابِ } تمنوا أنهم خارجون إلى البدو وحاصلون مع الأعراب وهم أهل العمود، وقرأ عبد الله. وابن عباس. وابن يعمر. وطلحة { بدي } جمع باد كغاز وغزى وليس بقياس في معتل اللام وقيام فعلة كقاض وقضاة؛ وفي رواية أخرى عن ابن عباس { بدوا } فعلاً ماضياً، وفي رواية صاحب «الإقليد» { بدي } بوزن عدي.

{ يُسْـئَلُونَ } أي كل قادم من جانب المدينة { عَنْ أَنبَائِكُمْ } عما جرى عليكم من الأحزاب يتعرفون أحوالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة / فرقاً وجبناً، واختيار البداوة ليكونوا سالمين من القتال، والجملة في موضع الحال من فاعل { بادون } ، وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصماً والأعمش قرؤا (يسلون) بغير همز نحو قوله تعالى:سَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } [البقرة: 211] ولم يعرف ذلك عن أبـي عمرو وعاصم، ولعل ذلك في شاذهما ونقلها صاحب «اللوامح» عن الحسن والأعمش، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وقتادة والجحدري والحسن ويعقوب بخلاف عنهما { يساءلون } بتشديد السين والمد وأصله يتساءلون فأدغمت التاء في السين أي يسأل بعضهم بعضاً أي قول بعضهم لبعض: ماذا سمعت وماذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب أي يسألونهم كما تقول: رأيت الهلال وتراءيته وأبصرت زيداً وتباصرته.

{ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ } أي في هذه الكرة المفروضة بقوله تعالى: { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } أو لو كانوا فيكم في الكرة الأولى السابقة ولم يرجعوا إلى داخل المدينة وكانت محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف { مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً } رياء وسمعة وخوفاً من التعبير قال مقاتل والجياني والبعلبكي: هو قليل من حيث هو رياء ولو كان الله تعالى كان كثيراً.