الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ } أي المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي اقبلوا إلينا أو قربوا أنفسكم إلينا، قال ابن السائب: الآية في عبد الله بن أبـي ومعتب بن قشير ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة كانوا إذا جاءهم المنافق قالوا له: ويحك اجلس ولا تخرج ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنا ننتظركم، وقال قتادة: هي في المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه فخلوهم. وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن زيد قال: انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب إلى شقيقه فوجد عنده شواء ونبيذاً فقال له: أنت هٰهنا ورسول الله عليه الصلاة والسلام بين الرماح والسيوف فقال: هلم إليَّ فقد أحيط بك وبصاحبك والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبداً فقال: كذبت والذي يحلف به لأخبرنه بأمرك فذهب ليخبره صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل عليه السلام قد نزل بهذه الآية. وقيل: هؤلاء اليهود كانوا يقولون لأهل المدينة: تعالوا إلينا وكونوا معنا، وكأن المراد من أهل المدينة المنافقون منهم المعلوم نفاقهم عند اليهود.

و { قَدْ } للتحقيق أو للتقليل وهو باعتبار المتعلق، و { مّنكُمْ } بيان للمعوقين لا صلته كما أشير إليه، والمراد بالأخوة التشارك في الصفة وهو النفاق على القول الأول، والكفر بالنبـي صلى الله عليه وسلم على القول الأخير، والصحبة والجوار وسكنى المدينة على القول الثاني وكذا على القول الثالث فإن ذلك يجامع الأخوة في النسب، وظاهر صيغة الجمع يقتضي أن الآية لم تنزل في ذينك الشقيقين وحدهما فلعلها نزلت فيهما وفي المنافقين القائلين ذلك والأنصار المخلصين المقول لهم، وجواز كونها نزلت في جماعة من الإخوان في النسب مجرد احتمال وإن كان له مستند سمعي فلتحمل الأخوة عليه على الأخوة / في النسب ولا ضير، والقول بجميع الأقوال الأربعة المذكورة وحمل الأخوة على الأخوة في الدين والأخوة في الصحبة والجوار والأخوة في النسب لا يخفى حاله.

{ وهلم } عند أهل الحجاز يسوي فيه بين الواحد والجماعة، وأما عند تميم فيقال: هلم يا رجل وهلموا يا رجال، وهو عند بعض الأئمة صوت سمي به الفعل، واشتهر أنه يكون متعدياً كهلم شهداءكم بمعنى أحضروا أو قربوا ولازماً كهلم إلينا بناء على تفسيره بأقبلوا إلينا؛ وأما على تفسيره بقربوا أنفسكم إلينا فالظاهر أنه متعد حذف مفعوله، وجوز كونه لازماً وهذا تفسير لحاصل المعنى.

السابقالتالي
2